جنكيز حمدوش
التبعية العمياء هي اخطر اشكال الارتهان السياسي والاجتماعي لانها تسقط الارادة الفردية والجماعية وتحول المجتمع الى تابع بلا قدرة على التقييم او اتخاذ القرار المستقل وكذلك تعني الغاء العقل مقابل الولاء وتفضيل الشخص او الحزب على مصلحة الشعب ورفض اي مخالف وبذلك تتحول العلاقة السياسية الى طاعة غير مشروطة.
وتظهر هذه التبعية في القضايا القومية عندما يصبح الولاء للحزب او القائد اهم من القومية او الطاعة اهم من النقد والدفاع عن الزعيم وافكاره اهم من الدفاع عن الشعب. على سبيل المثال في العلاقات الاقليمية عندما يتبنى احد الاطراف توجهات دولة اقليمية تركيا مثالا ليس بناء على مصلحة قومه بل على الولاء، وبذلك تصبح التبعية مادة قاتلة وتصنع انقسامات داخلية وتسهل التحكم الخارجي لتقسيم الحركة الكردية. وتشكل هذه الظاهرة من اهم اسباب ضعف القرار الكردي ووحدة الصف، وتاريخ الشعوب يثبت ان القضايا القومية لا تختزل في شخص ولا تنبع من عقل فرد مهما بلغ تاثيره، بل تتشكل من عمق المجتمع ومن التراكم التاريخي للنضال والوعي.
فالروح القومية هي نتاج معانات مشتركة وتطلعات جماعية وذاكرة ممتدة على مدى الاجيال، انها ليست خطابا يحتكر ولا هوية تفصل على مقياس قائد او حزب بل هي تعبير عن حاجة شعب الى الحرية والكرامة والاعتراف. ان الشعوب التي خاضت مسارات التحرر لم تنهض بالهام فرد وحيد بل بقوة الارادة الشعبية التي ترفض الظلم وتطالب بحق تقرير المصير، قد يبرز قادة ورموز يترجمون تلك الارادة لكن لا يصنعونها من العدم بل هم انعكاس لوعي جماعي سبقهم وامتداد لحلم طويل لم يولد معهم ولا ينتهي عندهم.
في الحالة الكردية كما في حالات كثيرة عبر العالم يتجلى هذا المعنى بوضوح، فالقضية الكردية ليست مشروع حزب او رؤية قائد بل قضية مجتمع واسع متنوع يتقاسم الجغرافية والتاريخ والثقافة ويعيش تجربة سياسية مشتركة صنعتها عقود من الحرمان والصراع والبحث عن صيغة عادلة للعيش. لهذا فان اي محاولة لحصر الارادة الكردية في فرد او تنظيم انما هي تجاهل لطبيعة القضية ولمنبع قوتها الحقيقية، ان الروح القومية تتجدد كلما ادرك الشعب ان مصيره لا يصاغ داخل الغرف المظلمة.
لذلك فان بناء مستقبل اي شعب يمر عبر تعزيز الارادة الجماعية بتقوية مؤسسات المجتمع ودعم الثقافة واللغة وتوسيع المشاركة السياسية ووضع مشروع جامع يتجاوز الانقسامات الداخلية ويمنع القوى الاقليمية من التحكم بالمصير القومي، فالشعوب التي لا توحد ارادتها تصبح عرضة للمساومة اما التي تصنع وحدتها تصبح رقما صعبا في اية معادلة سياسية.
في النهاية يمكن القول ان القومية ليست فكرا فرديا بل مشروع شعب، وان قوة هذا المشروع تكمن في اتساعه واستمراره، فحين يقرر الشعب ان يكون حرا يصبح القائد صوتا لا مصدرا.
٢٨.١١.٢٠٢٥