حل القضية الكردية يبدأ من عفرين

حسن شندي

بعد زيارتي لعفرين وإقامتي ندوة فيها، وجولتي في نواحيها، واجتماعي بوجهائها وأهلها، والترحيب الكبير من الاهالي بعودتي اليها بعد محاولة اغتيالي وخروجي الى اوروبا ، وسماعي لشكاويهم وهمومهم ومقاربتي للأوضاع والمتغيرات على الأرض، أدركت تماما أن عفرين، بما تمثله من حساسية ورمزية، أصبحت في نظر الغالبية الكردية في سوريا مدخلا لا يمكن تجاوزه لأي حلّ عادل للقضية الكردية في سوريا. فقد تحوّلت هذه المنطقة إلى عنوان للمعاناة رغم خروج الفصائل منها بعد تحرير سوريا وإسقاط نظام الاسد، ما يجعل حلّ ملفها شرطا أساسيا لإنصاف الكرد وتحقيق الاستقرار. وأؤكد هنا، قبل أي معركة ربما تكون مرتقبة في شرق الفرات لاسمحالله ، أن الحلّ الحقيقي يبدأ من عفرين، من خلال معالجة ملفاتها الأساسية ، إعادة المهجّرين، حماية الملكيات، تحقيق العدالة، وإنصاف الكرد فيها بما يشكّل نموذجا يمكن تعميمه على باقي المناطق السورية من لامركزية ادارية بتوافق اهاليها. فعيون كل الكرد في سوريا عليها بعد سقوط الاسد .

فعفرين تمثّل نقطة تماس حسّاسة بين اللاعبين الرئيسيين في المنطقة ، تركيا، والفصائل السورية المدعومة منها، والإدارة الذاتية، والحكومة السورية الحالية . لذلك فإن الوصول إلى حلّ عادل قائم على اللامركزية الإدارية في هذه المنطقة قد يفتح الباب أمام تفاهمات أوسع تُنهي حالة الصراع المستمر في البلاد .

إن القضية الكردية في سوريا ليست مطلبًا انفصاليا كما يصوّرها بعض السوريين، ولا يوجد حزب حقيقة تبنى الانفصال عن سوريا ، بل هي مطلب لحقوق ثقافية وسياسية ومدنية مشروعة. وإذا ما بدأ الحلّ من عفرين، فستكون هذه التجربة نموذجًا لاحترام حقوق المكوّن الكردي ضمن دولة سورية جديدة قوية ياخذ فيها كل ذي حق حقه .

إن إعادة الحقوق إلى أصحابها، ووقف عمليات المصادرة، وإزالة القيود المفروضة على السكان، هي عناصر لا يمكن تجاوزها. كذلك فإن إنشاء إدارة مدنية مهنية ومتعدّدة المكوّنات تضم الكرد والعرب والإيزيديين من اهالي المدينة ، خطوات أساسية تعكس النسيج الحقيقي للمنطقة، وتؤسس لحياة مدنية قائمة على الشفافية وسيادة القانون بعيدا عن العسكرة.

إن إيجاد حلّ في عفرين هو مدخل لحوار أوسع يضمن معالجة أوضاع كافة مناطق التواجد الكردي، ويضع أسسا راسخة من اجل الاعتراف بالهوية واللغة والثقافة الكردية ومشاركة سياسية عادلة ولا مركزية إدارية تراعي خصوصيات المجتمع السوري وضمانات دستورية تمنع تكرار المأساة.

وليس من المبالغة القول إن عفرين أصبحت معيارا لقياس جدية الأطراف كافة في الوصول إلى حلّ عادل ومستدام للقضية الكردية في سوريا. وبعد بيعها من قبل كوادر ب ك ك ، فقد تحولت إلى مختبر حقيقي لاختبار استعداد القوى الداخلية والإقليمية والدولية للاعتراف بالحقوق المشروعة للكرد، ولقياس قدرة السوريين على بناء دولة مدنية تشاركية تتّسع لجميع أبنائها دون إقصاء.

إن القول إن حلّ القضية الكردية يبدأ من عفرين ليس شعارا سياسيا ، بل توصيف دقيق لواقع معقد ، حيث تشكل عفرين بوابته الأولى. فمعالجة جراح هذه المنطقة، وإعادة أهلها إليها، واحترام هويتها وتراثها، خطوة أساسية على طريق طويل نحو تحقيق العدالة والمساواة والاستقرار في باقي المناطق الكردية في سوريا ، دون ان ننسى محاسبة كل من تلطخت يداه بدماء مدينتنا .

http://Hasanshindi.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…