المحامي عبدالرحمن محمد
من الناحية القانونية والسياسية والحقوقية لدي ليس اعتراض فقط بل رفض مطلق للاتفاقية ١٠ آذار بين الشرع ومظلوم.
ورغم ضبابية وعيوب ونواقص شكلية وموضوعية وانتقادات عديدة، نجد هناك اصرار والحاح من انقرة قبل دمشق وحتى التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة امريكا على تنفيذ البند الرابع من الاتفاقية، والمتضمن:
دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن ادارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط
فقط، بينما يتم تجاهل بقية البنود الثمانية والشروط والالتزامات الاخرى الواردة في الاتفاقية، والتي تشكل خريطة طريق لايجاد صيغة للعلاقة بين دمشق وقسد ومسد عسكريا واداريا وامنيا، والالتفاف على القضية الكوردية كقضية سياسية وحقوقية للشعب الكوردي في غرب كوردستان وسوريا.
من الناحية القانونية الاتفاقية وحدة متكاملة لا تتجزا، بغض النظر عن كوننا نتفق او نختلف معها، وتعد الاتفاقية شريعة المتعاقدين وقانونهم كوحدة متكاملة، من دون انتقائية لبند معين او تجزئة للاتفاقية. ويتعين على كل طرف تنفيذ التزاماته واحترام جميع البنود دون الاخلال بها.
اصرار وتاكيد ومطالبة تركيا، وتهديداتها المتكررة وضغوطها وممارستها لكل نفوذها الدبلوماسي والسياسي والعسكري دوليا واقليميا وسوريا، واستقواء دمشق بها وبالتنسيق معها، يطرح اكثر من سؤال واشارة استفهام:
لماذا هذه الانتقائية للبند الرابع وتجاهل بقية البنود؟
للاجابة عن هذا السؤال يجب العودة الى مضمون البنود الثمانية في الاتفاقية لنصل الى حقيقة النوايا والمقاصد والاهداف السياسية التركية والسلطة الانتقالية في دمشق.
باختصار، الاتفاقية تصب في اتجاه الاندماج والصهر والحل غير المباشر فقط، وبالتالي اختزال القضية الكوردية وحقوق الشعب الكوردي السياسية في دمج قسد ومسد تحت عنوان دولة المواطنة.
لكل اتفاقية حقوق والتزامات للاطراف، بعيدا عن الاتهامات المتبادلة بين الطرفين حول تنصل الطرف الاخر من تنفيذ الاتفاقية.
لنرجع الى الشروط والبنود مع التعقيب والشرح:
البند الاول
نص على: ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة.
بعد سقوط النظام، احتكرت وانفردت هيئة تحرير الشام السلطة في دمشق، من تشكيل لجنة الحوار الى المؤتمر الوطني وتنصيب الشرع رئيسا للمرحلة الانتقالية، والى تعيين اعضاء لصياغة الاعلان الدستوري وتشكيل الحكومة وتعيين اعضاء مجلس الشعب، وكل ذلك جرى من دون مشاركة قسد ومسد.
فضلا عن ذلك، لم تؤخذ القضية الكوردية بعين الاعتبار، ولم يراع التمثيل الكوردي ومشاركته في العملية السياسية، في وقت تمر فيه سوريا بمرحلة انتقالية واعادة تاسيس الدولة وهويتها الوطنية.
علما ان الدستور هو الضمانة السياسية والقانونية والحقوقية في اي بلد، وتحديدا في البلدان المتعددة القوميات والشعوب والاديان والطوائف الدينية.
البند الثاني
نص على ان المجتمع الكوردي مجتمع اصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية.
لكن الاعلان الدستوري تجاهل الاعتراف بالمظلومية التاريخية للشعب الكوردي وبحقوقه السياسية وهويته القومية والوطنية ولغته وعيد نوروز القومي، ناهيك عن عدم الاعتراف بالشهادات التعليمية الصادرة في مناطق شمال وشرق سوريا وغيرها من المناطق الكوردستانية.
البند الثالث
نص على وقف اطلاق النار في كافة المناطق.
الا ان الجريمة السياسية المنظمة ما زالت مستمرة ضد الشعب الكوردي بعد سقوط النظام، ولم تتوقف الاعتداءات والهجمات، والهجوم على حيي الاشرفية وشيخ مقصود دليل واضح على ذلك، اضافة الى الاعتداءات اليومية من قبل الفصائل في الجيش السوري.
البند الخامس
تطرق الى ضمان عودة المهاجرين السوريين الى مناطقهم وقراهم وتامين حمايتهم من الدولة.
حتى هذه اللحظة لم يرجع اي مهجر قسريا الى سره كانيه، وما زالت نسبة كبيرة من مهجري عفرين وغيرها خارج مناطقهم، وهناك محاولات للتغيير الديمغرافي والسكاني في المناطق الكوردية.
الجرائم اليومية ضد البشر والحجر والشجر في عفرين ترتقي الى جرائم حرب وتطهير عرقي وجرائم ضد الانسانية.
البند السادس
نص على وضع حد لخطاب الكراهية ومحاولات الفتنة بين مكونات المجتمع السوري كافة.
السلطة الانتقالية في دمشق لم تتوقف عن التحريض وخطاب الكراهية ضد الشعب الكوردي وغيرها من المكونات. والجرائم في الساحل والسويداء وعفرين وسره كانيه دليل واضح يقطع الشك باليقين.
هذا التحريض يشكل نوعا من انواع التمييز العنصري على اساس الهوية القومية الكوردية، والطائفية الدينية بالنسبة للدروز والعلويين.
البند الثامن
نص على تشكيل اللجان لتنفيذ الاتفاقية.
حتى اللحظة، لم تقم دمشق بتشكيل هذه اللجان الخاصة بتنفيذ الاتفاقية، بل شكلت لجنة للحوار الوطني، ولجنة لصياغة الاعلان الدستوري، ولجنة لتعيين اعضاء مجلس الشعب.
الخلاصة
الاتفاقيات وفق القانون الدولي والقوانين الوطنية وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة والانتقائية وفق مزاج ومصالح طرف على حساب طرف اخر.
الاتفاقيات شريعة للاطراف وقانون ملزم لها ككل، لا كاجزاء منفصلة.
للاطراف حقوق والتزامات ومصالح متبادلة.
ليس دفاعا عن قسد ومسد، لكن في الواقع العملي تتنصل السلطة الانتقالية في دمشق من الاتفاقية وتهرب من المسؤولية، لانها لا تقبل الشراكة في العملية السياسية، ولا تؤمن بالمساواة في الحقوق بين الشعوب، ولا بالديمقراطية والعدالة الدولية وشرعية حقوق الانسان ومبادئ القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها.