نورالدين عمر
منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، شهدت روجافا كردستان تحولات سياسية عميقة أثرت مباشرة على مستقبل سوريا والقضية الكردية. يبرز حدثان محوريان يساعدان على فهم هذا التحول.
الأول: اتفاق 10 آذار 2025 بين رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي. هذا الاتفاق ليس مجرد خطوة رمزية؛ إنه اعتراف تاريخي بحقوق الشعب الكردي ضمن إطار وطني شامل، ويفتح مساراً لإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والمساواة. وإذا ما طبق فعلياً، فسيشكل سابقة حقيقية في الاعتراف بالمكونات بعد عقود من الإقصاء والتهميش.
الثاني: مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي في 26 نيسان 2025 في القامشلي، الذي جمع للمرة الأولى غالبية القوى السياسية الكردية على موقف موحد، وتوج بتشكيل وفد سياسي مشترك يمثل الكرد في روجافا. أهمية المؤتمر تكمن في أنه جسد إرادة وحدة وتنسيق سياسي، وهو خطوة أساسية لتعزيز موقف الكرد في أي حوار وطني وصياغة مستقبل البلد.
ومن خلال هذين الحدثين، يتضح تحول جوهري في المشهد السياسي الكردي: أصبح هناك إطار مؤسسي موحد للتعامل مع السلطة الانتقالية. ومع أن هناك وفدين — أحدهما يمثل قسد والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بكل مكوناتها، والآخر يمثل الطيف السياسي الكردي — فهما ليسا متناقضين بل مكملان لبعضهما في عملية التمثيل والمفاوضة.
مع ذلك، ثمة نقاط حرجة تستوجب التوقف عندها:
1. اتفاق العاشر من آذار قد ينجح وقد يفشل. السلطة حتى الآن لا تبدو جادة في التفاوض؛ هناك تماطل وتحجج وحملات إعلامية ضد الكرد بشكل عام وقوات سوريا الديمقراطية بشكل خاص. كما أن السلطة لم تبدِ استعداداً واضحاً لاستقبال الوفد الكردي أو إشراك المكونات في تأسيس وإدارة المؤسسات بشكل حقيقي.
2. هناك محاولات لشق الصف الكردي، وتظهر هذه أصوات ليست داخل السلطة فقط، بل داخل أطياف سياسية كردية تسعى لتفتيت الصف، وهذه الظاهرة لا تقتصر على طرف سياسي واحد بل تجد صداها في عدة جهات. المرحلة تتطلب التقارب والتلاحم وفتح صفحة جديدة، لا تكرار أخطاء الماضي. خصوصاً وأن كافة أجزاء كردستان تقف اليوم مع روجافا وتطالب بالذهاب إلى دمشق بموقف موحد، لذلك ينبغي مجابهة هذه الأصوات وفضحها لأنها تضر القضية الكردية.
3. هناك أصوات ترفض التفاوض والذهاب إلى دمشق وتعتبر اتفاق آذار رضوخاً يقدم بعض المكاسب الصغيرة مقابل تنازلات كبيرة. هذا التوجه يقرأ المرحلة بسطحية ويدعو لخيارات قد تؤدي إلى صراع مدمر ليس للكرد فحسب بل لسوريا والمنطقة كلها. التفاوض هو الخيار الاستراتيجي الوحيد القادر على ضمان الحقوق والمشاركة في بناء الدولة.
الخلاصة: الذهاب إلى دمشق والتفاوض خيار استراتيجي لا غنى عنه إذا كانت الغاية تحقيق الحقوق الكاملة والمشاركة الحقيقية في بناء سوريا جديدة تقوم على المساواة والعدالة. الوحدة والتنسيق السياسي داخل الصف الكردي، والجدية في التطبيق من طرف السلطة الانتقالية، هما مفتاح نجاح هذه المرحلة.