الشعوب بين التنظيم والاضمحلال: تأملات في مصير الأمم وتكرار التاريخ

خاشع رشيد

تخطئ حين تعتقد أن هذا العالم غير منظّم ولا يوجد من ينظّمه، كما حين تعتقد أن الكون غير منظم، بطريقة ما.

ليست كل الشعوب مشاركة في تفاصيل الحضارة والتطور، بل ربّما هناك بعض الشعوب قد يكون حضورها مضرّاً أو عائقاً.

كل الشعوب لها الحق في حماية نفسها ـ بل وواجب خُلقي ـ وبالطريقة التي تراها مناسبة، والأصح، بالطريقة المتاحة لها من قبل المنظّمين، ولكل الشعوب الحق في توسيع رقعة سيطرتها، وكل شعب يرى حقوقه بطريقة تخصّه، تكون بعكس ما تطمح إليه شعوب أخرى، في أغلب الأحيان.

بعض الشعوب لن تستطيع أن تثق ببعضها البعض ـ هو الأصح والأسلم ـ مهما حاولت، ومن السذاجة أن يفكر شعب ما بأن يتغاضى عن التاريخ ويمحي أموراً منه، فيقنع نفسه بآيديولوجيات معممة. بذلك يكون قد تبنى إحدى “خطايا الشعوب المميتة”.

وليس بالضرورة أن تعيش أنت وإخوتك في بيت واحد حتى تثبت حنانك ورحمتك وإنسانيتك، كما الديمقراطية لا تعني بالضرورة أن تتعايش شعوب داخل جيوب شعوب أخرى.

أتحدث عن البشر فيما بينهم… ليس بينهم وآخرين.

التزاوج الفردي يختلف كلياً عن تزاوج الشعوب. كلما اختلطت الشعوب فيما بينها، قلّ الاختلاف الطبيعي والتمايز الواجب، بل وكثُر احتمال اندثار شعوب على حساب أخرى، الشعوب الكبيرة والقويّة تبتلع الصغيرة والضعيفة. الشعوب التي لا تخشى هي التي تكون قد أُشبِعَت من نفسها لمئات وربّما لآلاف السنين، ووصلت لدرجة أن أغلب الأفراد لن يتغير فيهم سوى بعض القشور، في المحصّلة ستكون قدرتها على تغيير المحيط هو الغالب. بعض الشعوب تموت بسياسات اضطهاد وظّلم، والبعض بسياسة هادئة ومحكمة لسنوات طويلة.

لا تتبعثر، لا تخالط إلا لحماية نفسك، لا تتمنى الموت والولادة إلا في موطنك.

التحولات الكبيرة لم تنته بعد. الأخطار على الكل ( القومية، الدينية، الطائفية… ).

الذي لا يفهمه الشعب، هو كيف ولماذا يكرر التاريخ نفسه في وجهه، وبأيدي بعض منه.

الشعوب التي نجحت؛ هي التي ضحّت لأجل أمور مهمة تخص البشرية وأفادتها بشكل صريح قاطع، بشرط دوام تأثيرها، أو شعوب أخطأت تاريخياً، وعليها أن تغفر عن نفسها بالتضحية الدائمة كلما دعت الحاجة، فتحاول أن تثبت ولاءها دائماً، لكن الأغرب والأقوى هو؛ شعب مختار، بشكل أو بآخر، بيده مفاتيح علميّة وآيديولوجيّة يستطيع ربط البدايات والنهايات بعضها ببعض، ومعرفة سرية غريبة تتعدى المفاهيم العامة، قادرة على إحقاق أهدافه رغم كلّ التناقضات الغير منطقية.

الشعوب الناجحة هي التي تقودها ـ وإن كانت في الخفاء ـ مجموعة استعراقية. والشعب الأكثر حيوية هو الذي يستطيع أن يعطي لنفسه جرعات تستهدف فكرة تهديد نفسه، بأبشع شكلٍ، حاضراً ومستقبلاً، حتى ولو كانت وهمية، وفكرة أن العالم من دونه دمار ونهاية لا مفر منهما، ولا يستطيع أحد أن يمثّله أو يقلّده. لكن أولاً، عليه أن ينتج عقولاً  قادرة على إيجاد أفكار تحيط بها شعبه وتغرق جيناته فيها. استمرار إنتاج هكذا عقول أساس حياة.

هذه العقول المتجدّدة دائماً تكون الشعب نفسه، فتنظّم أفراد الشّعب من قبل ولادتهم وإلى مماتهم، وفي كلّ مناحي الحياة. الشّعب كله يصبح شخصاً، أسرة، شركة.

على الشعب أن يدرك أنه في دائرة النار، غليان أعراق في قِدْر ديانات، دائرة الآخرة.

……………………………………………

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…