زاهد العلواني آل حقي
تثار بين الحين والآخر نقاشات وجدالات حول أصول الكُرد ومواقهم الجغرافية، في برامج التواصل الإجتماعي، ومنها القول إن الكُرد من أصول “ميدية”، في محاولة لإثبات نسب يمتد إلى آلاف السنين من خلال أسماء مخطوطات ووثائق من الأرشيف العثماني.
لكن السؤال هنا:
هل تُقاس الهوية القومية بآلاف السنين والأنساب الغابرة، أم بالانتماء الحاضر والوجود الفعلي من عدد السكان والثقافة واللغة على الأرض؟
من الناحية الواقعية، لا يوجد اليوم إنسان واحد – لا كردي ولا عربي ولا تركي ولا فارسي – يستطيع أن يثبت نسبه عبر عشرة أجداد متتاليين بوثائق وشواهد قبور وأدلة تعود لأكثر من مئتي سنة، فكيف يمكن إذن أن نزعم أننا قادرون على تتبّع أصولنا إلى آلاف السنين ؟!
الهوية ليست سلسلة وراثية مغلقة، بل هي حصيلة التراكم التاريخي والثقافي والجغرافي.
الكردي اليوم هو كردي بلغته وثقافته وذاكرته الجماعية وأرضه، كما أن العربي عربي بلسانه وتاريخه مرتبط بالإسلام، والتركي تركي بتراثه ودولته، والفارسي فارسي بعمقه الحضاري.
كل شعب من هذه الشعوب مرّ بتحولات، واختلاط، وتغيّرات، وصراعات، جعلت من المستحيل أن نزعم نقاءً قومياً يعود إلى آلاف السنين.
فالعرب، على سبيل المثال، لم يعودوا فقط أحفاد قريش أو تميم أو تغلب، بل تمازجوا مع الفرس والترك والزنوج والبربر وغيرهم على مدى القرون، بينما العرب القحطانيون أرض الجزيرة العربية،
والأتراك أنفسهم جاؤوا من سهوب آسيا الوسطى ثم امتزجوا بسكان الأناضول الأصليين من أرمن وسريان ويونان وكُرد .
والفرس لم يبقوا على حالهم منذ زمن الأخمينيين، بل مرّوا بتحولات كبرى من الساسانيين إلى الإسلاميين إلى الصفويين.
وكذلك الكُرد، الذين تفاعلوا عبر القرون مع الميديين والآشوريين والفرس والعرب والعثمانيين.
فلماذا نبحث في المقابر القديمة عن شرعية وجود؟