الاستفتاء… السلاح الذي قصم ظهر الجميع

حسين موسى

الاستفتاء حقّ مشروع لكل شعوب الأرض، سواء كان حول الدستور، أو انتخاب رئيس الدولة، أو تقرير المصير والاستقلال. غير أن الاستفتاء الكوردي في إقليم كوردستان عام 2017 لم يكن مجرد ممارسة سياسية عابرة، بل محطة تاريخية امتداداً لنضال طويل من أجل تقرير المصير.

ففي السنوات التي شهدت صعود تنظيم داعش الإرهابي، حين ارتعد العالم من وحشيته، كان البيشمركة بقيادة الزعيم الكوردي مسعود بارزاني السدّ المنيع الذي أوقف تمدده. بينما انهارت جيوش ومليشيات أخرى فرّت من المعارك، صمد الكورد، وحرروا الأرض بدماء شهدائهم.

وبدل أن تُكافأ هذه التضحيات، لم يطالب الكورد إلا بحق بسيط، وهو إجراء الاستفتاء على مستقبلهم. لكن الرد جاء بالرفض من الداخل، ومن القوى الإقليمية والدولية، رغم أن العالم بأسره يعترف أن الاستفتاء مبدأ ديمقراطي لا يُنكر.

ولكي نفهم عمق المفارقة، يكفي أن نقارن بين استفتاء كوردستان واستفتاء اسكتلندا عام 2014. ففي حين أُجري الاستفتاء الاسكتلندي ضمن أجواء ديمقراطية، وبموافقة الحكومة البريطانية، صوّت الشعب بنسبة 55% ضد الانفصال، واحترمت لندن النتيجة كخيار شعبي. أما في كوردستان، فعلى الرغم من تصويت الأغلبية الساحقة (أكثر من 92%) لصالح الاستقلال، لم يُعترف بالنتيجة، بل قوبلت بفرض حصار اقتصادي، وضغوط إقليمية ودولية، وحتى تحركات عسكرية داخلية لإجهاض إرادة الشعب.

لقد كان إصرار القيادة الكوردية، وإيمان الشعب العميق بعدالة قضيته، أبلغ من كل الضغوط. لم يكن الاستفتاء مجرد ورقة اقتراع، بل تعبيراً عن إرادة تاريخية متجذرة في وجدان أمة. ومع أن نتائجه واجهت حصاراً ومؤامرات، إلا أن صموده جسّد حقيقة أن الكورد لن يتراجعوا عن حقهم الطبيعي في تقرير مصيرهم.

وهكذا، فإن مقارنة التجربتين تكشف ازدواجية المعايير في السياسة الدولية: ديمقراطية تُحتَرم في أوروبا، وحقوق تُنكَر حين يكون أصحابها كوردستانيين.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…