سمكو عمر لعلي
منذ عقود، تعيش الساحة السياسية الكوردية في رۆژآڤا كوردستان حالة من الانقسام والتشرذم، كانت السلطة الحاكمة أحد أبرز مسبباتها عبر سياسات القمع والتمييز وزرع بذور الخلاف بين القوى الكوردية. غير أنّ ما يزيد المشهد تعقيداً هو استمرار هذه الانقسامات حتى بعد أن توفّرت فرص عديدة لتجاوزها، حيث أضحت المنافسة على النفوذ والتمسّك بالمناصب ٫
ذلك ( الكرسي الملعون) عقبة كبرى أمام مشروع وطني جامع.
إنّ استمرار هذا التشتّت لا يضرّ الأحزاب وحدها، بل يلقي بظلاله الثقيلة على الشعب الكوردي نفسه، الذي يدفع ثمن الخلافات الداخلية ضعفاً سياسياً وعزلةً على الساحة الإقليمية والدولية.
فاليوم لم يعد ممكناً إخفاء الشرخ القائم؛
فالقاصي والداني يدركان حجم التصدّع الذي ينخر الجسد السياسي الكوردي.
وإذا لم تبادر هذه القوى إلى خطوات عملية لتوحيد الصفوف ورأب الشروخ، فإنّ المستقبل قد يحمل معه صعود قوى بديلة
ربما من خارج الأطر الحزبية التقليدية ، تعبّر عن تطلعات الشباب والفئات المهمّشة، وتكون أقوى وأكثر تأثيراً من التنظيمات القائمة.
ولعلّ التجربة في جنوب كوردستان خير شاهدٍ ودليل. فقد عانى الإقليم لسنوات طويلة من صراع داخلي بين الأحزاب الكبرى، وصل في منتصف التسعينيات إلى حربٍ أهلية أضعفت البيت الكوردي من الداخل وكادت تقضي على منجزات عقود من النضال.
لكنّ إدراك الأطراف هناك لخطورة الانقسام، وضغط الشعب الكوردي، إضافةً إلى المتغيرات الإقليمية والدولية، دفعت القوى السياسية إلى التوافق فيما بعد على مبدأ (الشراكة السياسية)، وتقاسم المسؤولية، وصولاً إلى إنشاء مؤسسات شبه مستقلة استطاعت أن تعطي الإقليم ثقلاً سياسياً واقتصادياً ملحوظاً على الصعيدين المحلي والدولي.
هذه التجربة تحمل رسالة واضحة لرۆژآڤا:
إنّ الانقسام لا يورّث سوى الضعف، مهما كانت المبررات.
وإنّ التفاهم والشراكة، حتى بين الخصوم التاريخيين، قادرة على تحويل الخسارة إلى مكسب جماعي.
والأهم أنّ الشعب ، وليس النخب الحزبية ،
هو الذي يدفع الثمن في النهاية إذا بقي التشتت والانقسام سيد الموقف.
لقد آن للأحزاب الكوردية في رۆژآڤا أن تستفيد من دروس إخوتهم في جنوب كوردستان؛ فالزمن لا يرحم، والتاريخ لا يكتب صفحاته إلا لمن يتجاوز الأنا الضيقة، ويجعل من وحدة الصفّ أولوية لا بديل عنها.
21/9/2025