صلاح بدرالدين
في ثمانينات القرن المنصرم وخلال وجودي في الجزائر العاصمة لحضور احدى دورات المجلس الوطني الفلسطيني بدعوة رسمية من قيادة منظمة التحرير ، وجدت امامي جمعا من المعارضين السوريين لنظام حافظ الأسد المدعوون أيضا ، وهم عبارة عن ثلاثة مجموعات ، مجموعة القاهرة من قوميين وناصريين يتصدرها – محمد الجراح – ، ومجموعة العراق يمثلها الرئيس السوري الأسبق – امين الحافظ – ، ومجموعة الجزائر يقودها وزير الخارجية الأسبق – د إبراهيم ماخوس – ،
والدكتور ماخوس هو الوحيد الذي تعرفت علية في زيارة سابقة الى الجزائر عبر الصديق المشترك – السفير الفلسطيني – بالجزائر ، وقد كان يقيم هناك ويعمل كطبيب ، وكان له علاقات وثيقة مع الجزائريين ، وتطوع سابقا لمساعدة ثورتهم مع الدكتورين – نور الدين الاتاسي – ، و- يوسف زعين – وقد دعاني الى منزله بالجزائر العاصمة وبحضور – مالك الأمين – وعلى مااتذكر – محمود جديد – أيضا واخرون ، وقد دار بيننا حديث مطول حول سوريا ، والقضية الكردية ، وبالرغم من اعتبار هذه المجموعة البعثية التي عرفت بمجموعة – صلاح جديد – في يسار البعث ، الا انني لاحظت مدى التشدد القومي في خطابهم ، والحذر الشديد تجاه الوضع الكردي مع نوع من الانفتاح في الاستماع الى مايعانيه الكرد في ظل النظام القائم منذ مجيئ حزب البعث تحديدا ، فقد كان المرحوم الدكتور ماخوس ودودا الى ابعد الحدود ، ويستمع بتمعن الى ما اطرحه حول الوضع العام والكردي بشكل خاص ، وكأنني تفاجأت بقرارة نفسي بان هؤلاء السياسيين البعثيين ليس لديهم اطلاع كاف على الواقع الكردي حيث تعلق باذهانهم ان الكرد متسللون وغرباء كما كتب لهم رفيقهم – محمد طلب هلال – ، وفي نهاية حديثنا ابدوا بعضا من المرونة في قبول وجود شعب كردي سوري ، وقضية كردية ، واضطهاد قومي ، وان الحل هو باسقاط النظام ، وتحقيق الديموقراطية ، وضرورة التكاتف، والتضامن بين جميع معارضي النظام .
ومن باب الأمانة أقول كانت هذه المجموعة ( اليسارية ) متميزة عن الجناح اليميني ، وبرز بينها اشخاص تحولوا الى الفكر الديموقراطي واتذكر في هذا المجال الصديق الأردني المرحوم – صالح القلاب – كما ان منظمة هذا الجناح في لبنان كانت تبدي انحيازها الى الفكر الماركسي والتقينا مرة ومعي الرفيق – مصطفى جمعة – مع مسؤولي منظمة البعث اليساري في لبنان وسمعنا منهم موقفا متقدما حول القضية الكردية .
وفي سياق متصل أتذكر حينما كنت معتقلا بداية عام ١٩٦٨ وفي مركز التحقيق بالحلبوني – قصر الشيخ تاج – وجاء مسؤول الامن القومي والقيادي بحزب البعث المحسوب على جناح – صلاح جديد – عبد الكريم الجندي – بزيارة تفقدية ، وكنا نحو – ١٢ – معتقلا في ذلك المركز ، وبدأ يسال كل واحد عن سبب اعتقاله وتهمته ، ولم ينجو أحدا من النهر والسب ، ولما جاء دوري اجبت سبب اعتقالي هو القضية الكردية ، فالتفت الي بامعان وقال : يعني تريدون إقامة دولة كردية ؟ فلم اجب ، ثم اردف ( معكم حق ياابني ) كما كنت الناجي الوحيد من الشتائم ، والتفسير انه لم يكن هو ووسطه ضد الحقوق الكردية المشروعة ، او انهم بصدد اتخاذ مواقف جديدة تجاه الكرد ، وبعد ذلك بفترات طويلة سمعت من الصديق الراحل الدكتور – محمد الزعبي – ( الذي كان قياديا بالبعث ووزيرا للاعلام ثم انشق ووصل المانيا الديموقراطية للدراسة ، وتابع نشاطه بين صفوف المعارضة ) بان الجندي كان قد حاول فتح خطوط مع الزعيم الراحل مصطفى بارزاني .
نعود الى موضوعنا الأساسي حيث في اليوم الأول من انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني ، وخلال فترات الاستراحة تمت لقاءات التعارف بين أعضاء الوفود ، وجاءني السيد – محمد الجراح – ومعه آخرون لا أتذكر الان أسماءهم وبعد السلام والتعارف طلب مني بإلحاح ان أقوم بدور في اقناع السوريين المتواجدين من المجموعات الثلاثة ( المتنافرة ) بالإضافة الى الجانب الكردي ، لعقد لقاء عسى يتم فيه نوع من الاتفاق على إقامة جسم موحد للمعارضة السورية ، وقد عزز طلبه لي لكوني لست طرفا في صراعات المجموعات الثلاث ، وقد تكون كلمتي مسموعة لدى الجميع ، كما قال أيضا ان مجموعة القاهرة على استعداد مسبق للجلوس مع الجميع ، فوافقت على مقترحه لانني وجدت فيه فائدة لمصلحة القضية السورية .
بدات أولا بالتوجه نحو المرحوم – امين الحافظ – وقدمت نفسي أولا فرحب بالقول : والنعم لاخوتنا الكرد ، ثم طرحت عليه مقترح عقد لقاء بين كل السوريين المتواجدين عسى ان يتوصلوا الى قواسم مشتركة ضمن آلية تنظيمية معينة ، فأجاب بالموافقة على الفور .
لم يبقى سوى صديقي الدكتور إبراهيم ماخوس وكنت اعتقد انه لن يمانع ، وبعد ان فاتحته بالموضوع وذكرت أيضا ان مجموعتي القاهرة وبغداد على استعداد ونحن ننتظر موافقتكم ، فمالبث ان انفجر غضبا وقال هل ترضى اخي صلاح ان اجلس مع القاتل والجزار الخائن امين الحافظ ، ومع عملاء عبد الناصر ؟ أضاف نحن مستعدون العمل مع الكرد فقط ، طبعا تفاجأت بجوابه الذي كان بعيدا عن الأصول السياسية ، وعلمت انه لافائدة من الجدال اكثر .
علمت بعد ذلك من أوساط منظمة التحرير الفلسطينية ، ومن القيادي الراحل – صلاح خلف – أبو اياد شخصيا الذي كان الملف السوري من ابرز اهتماماته ، ، انهم قرروا دعوة معظم اطراف المعارضة السورية على امل ان يلتقوا ، ويتناقشوا ، وكنا قد جهزنا انفسنا لدعم أي جسم ينشأ بالاتفاق بين الجميع لمعارضة نظام حافظ الأسد ، وفي هذا المجال ثابرت منظمة التحرير وتواصلت مع مختلف الاطياف السورية المعارضة لتحقيق ذلك الهدف ، وعندما كنت بزيارة لتونس دعاني الراحل – أبو اياد – لزيارة يوغسلافيا سوية ، وهناك التقينا مع المرحومين – اكرم الحوراني – و – احمد ابوصالح – القيادي والوزير السابق ، اللذان غادرا العراق ، واختلفا مع النظام حول المسالة السورية ، وبدآ العمل المعارض كمستقلين ، وابلغنا أبو اياد بذلك اللقاء انهم على استعداد لدعم أي نشاط سياسي منظم ضد نظام الأسد ، بكل اسف كانت الساحة السورية المعارضة تفتقد حينذاك الى العمل المنظم المستقل ، والى قيادة جماعية متمرسة بالنضال تستفيد من الشروط الموضوعية المؤاتية .