المرحلة الانتقالية في سوريا والفرص المهدورة.

رضوان شيخو
لم تتلقف الحكومة السورية للمرحلة الانتقالية أيّاً من الفرص الثمينة التي قُدّمت لها على أطباق من ذهب حتى الآن، ولم تُبدِ الكفاءة المطلوبة للاستفادة منها، بل أضاعتها الواحدة تلو الأخرى، سواء في تثبيت الأوضاع الداخلية أو السير على النهج الصحيح لحل المشاكل المركبة والمتراكمة على مستوى البلاد.
ولعل من أبرز هذه الفرص الانفتاح الأمريكي والعربي والأوروبي، والذي تجلّى في استقبال الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع في السعودية بحضور الرئيس الأمريكي، وما تبعه من مبادرة أمريكية لرفع العقوبات عن سوريا، وكذلك استقبال الرئيس الفرنسي لمسؤولين سوريين.
لسنا هنا بصدد تحليل دوافع هذه الدول، فالدول العظمى تدرك جيداً مصالحها ولا تحتاج لمن يذكّرها بكيفية حمايتها، رغم أنها أيضاً قد ترتكب أحياناً أخطاء تدفع ثمنها لسنوات طويلة. ما يعنينا هنا هو هدر الإدارة السورية الانتقالية لتلك الفرص، والتي كان من الممكن أن تُستثمر لبناء سوريا جديدة، تعددية، لا مركزية، تتفادى تكرار أخطاء النظام التوتاليتاري الاستبدادي السابق.
إلا أن الانفتاح الدولي والدعم التركي اللا محدود، المعروف الأهداف، فُسّرا بشكل خاطئ، مما دفع السلطات الجديدة إلى الغرور والشعور بالتضخم، ومحاولة إخضاع المكونات المختلفة للشعب السوري بالقوة، بدلاً من اللجوء إلى الحوار والاحتواء، والبحث عن القواسم المشتركة، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، خلافاً لمفهوم النظام البائد.
وقد حدثت مبالغة خطيرة في الرد على أحداث الساحل، وارتُكبت مجازر جماعية تخطّت حدود قمع حركة عصيان مسلح. واقتصر دور القيادة الجديدة على التنصل حيناً، والترقيع أحياناً أخرى، إلى أن شُكلت لجنة تحقيق لم تتمخض عن نتائج ترقى إلى ما كان ينتظره الشارع السوري.
ثم جاءت أحداث السويداء المفتعلة، والتي بدت وكأنها نتاج تقدير خاطئ بأن الوقت مناسب لإعادة السويداء إلى “بيت الطاعة” بالقوة. وحين تبيّن فشل الحسابات، جاء البديل أكثر خطورة، حيث تم تحريك العشائر والقبائل، وارتُكبت انتهاكات بلغت حدّ المساس بكرامة مكون بأكمله، دون أي اعتبار لإمكانية العودة إلى الوحدة الوطنية يوماً ما.
واتخذت الأحداث منحىً خطيراً إذ أوجدت شروخاً عمودية في بنية مكونات الشعب السوري، وانتشر خطاب الكراهية والطائفية البغيضة، لتدخل البلاد في نفق أشد خطراً مما كانت عليه في ظل النظام السابق. وطال التهديد والوعيد كل من هو خارج بنية السلطة الجديدة، وحيدة اللون والانتماء، وكانت النتيجة أن أصبحت السويداء، بشكل شبه رسمي، خارج سلطة الحكومة القائمة.
ولم يسلم الشعب الكردي من هذا التهجم، فقد نال مناطقه نصيباً وافراً من التهويل والتهديد بالغزو واجتياح مناطق شرق الفرات، في مشهد يُعيد ما جرى في الساحل والسويداء وريف دمشق.
كل ذلك دفع الدول المتحمّسة لتقديم الدعم السياسي والمعنوي، وحتى المادي، إلى السلطة الجديدة، إلى مراجعة مواقفها، وكان آخرها إعلان الولايات المتحدة الإبقاء على سوريا ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، مع تأكيد أن رفع اسمها يتطلب الكثير من الخطوات الجوهرية وضرورة العودة إلى القرار الدولي رقم ٢٢٥٤ الخاص بالمرحلة الانتقالية. 
  ولا يخفى أن هذه السياسات، التي تعتمد على الترهيب والتنكيل، وتجاهل القوانين العصرية التي تراعي طبيعة الشعب السوري متعدد الأعراق والطوائف، إنما تكرّر تجارب النظام البائد، والتي كانت نتيجتها السقوط المدوي.
إن الاستمرار في تجاهل دروس التاريخ وتجارب الشعوب، والخضوع لإملاءات الدول الخارجية التي لا تزال تتاجر بدماء ومآسي السوريين، لن يؤدي بالبلاد إلا إلى العودة إلى نقطة الصفر… إن لم يكن إلى ما هو أسوأ من الصفر.

شارك المقال :

3 1 vote
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…