الوحدة الكردية على المحك هل يضيع المكسب التاريخي عند بوابة دمشق؟

حوران حم 

منذ السادس والعشرين من نيسان الماضي، يوم خرج مؤتمر قامشلو ببيانه الختامي، كان الأمل معقوداً على أن تتحول تلك اللحظة إلى بداية جديدة لوحدة الصف الكردي في سوريا. فمقررات المؤتمر وضعت أساساً واضحاً: وفد كردي مشترك وموحد يتوجه إلى دمشق وأي طرف آخر، كي لا تضيع المطالب الكردية في زحمة الانقسامات والتجاذبات الإقليمية.

لكن سرعان ما بدأت الرياح تعصف بالسفينة. فالأخبار المتداولة مؤخراً تتحدث عن وفد منفصل، سري التشكيل، يقوده بعض شخصيات المجلس الوطني الكردي باتجاه دمشق، بترتيب وتسهيل من أنقرة. خطوة اعتبرها كثيرون بمثابة ثغرة تركية مفتوحة في جسد الاتفاق، تهدد بتحويل مقررات نيسان إلى مجرد ورق بلا قيمة.

اللافت أن هذا الوفد لم يأتِ بقرار جامع، بل بترتيب فوقي يفتقر إلى الشرعية الداخلية. حتى داخل المجلس الوطني نفسه، انقسمت المواقف بين مؤيد للمشاركة ومعارض لها بشدة، حيث اعتبرت سبعة أحزاب وتيارات أن التفاوض المنفرد خروج على أسس العمل المشترك، بل وخيانة لمخرجات مؤتمر قامشلو. هذه الانقسامات لا تُضعف فقط صورة المجلس، بل تكشف هشاشة البنية الداخلية لأي إطار كردي طالما ظل خاضعاً للضغط الخارجي والتجاذب الإقليمي.

في المقابل، لم يقف PYD وأجنحته بعيداً عن الخروقات. فمنذ سنوات، تفرّد هذا الطرف بالقرار السياسي والعسكري والإداري في مناطق الإدارة الذاتية، وفرض مناهج وأجندات لا تحظى بإجماع وطني كردي، مما ساهم في تعميق فجوة الثقة. وهكذا يجد الشارع الكردي نفسه اليوم أمام مشهد مزدوج: وفد منفصل بتأثير تركي من جهة، وسلطة أمر واقع بقبضة PYD من جهة أخرى. كلاهما يخرق مبادئ الشراكة، وكلاهما يعيد إنتاج الأزمة.

النظام السوري، من جهته، يراقب المشهد بابتسامة صامتة. فالانقسامات الكردية تمنحه فرصة ذهبية لتطبيق قاعدة “فرّق تسد”، وتحويل المطالب الكردية إلى أوراق متناقضة يسهل التعامل معها كل على حدة. فيما تخشى القوى الدولية أن يُترجم هذا التفتت إلى خسارة الكرد لمصداقيتهم كقوة سياسية تستحق الجلوس إلى طاولة التسويات.

ويبقى السؤال: هل نحن أمام بداية انهيار لفكرة “الوفد المشترك” التي بشّر بها مؤتمر 26 نيسان؟ وهل سيتحوّل هذا الوفد المنفصل إلى أداة لضرب وحدة الموقف الكردي من الداخل؟ أم أن القوى المستقلة، وتلك الرافضة للانفراد من كلا الطرفين، ستبادر لإنقاذ ما تبقى من وحدة الصف قبل فوات الأوان؟

إن ما يجري اليوم ليس مجرد خلاف حزبي عابر، ولا مجرد لقاء مع دمشق هنا أو وفد هناك. ما يجري هو امتحان وجودي لوحدة الصف الكردي في سوريا.

فالتاريخ لن يرحم، والشعب الكردي لن يغفر، إذا تحولت القضية القومية العادلة إلى مجرد أوراق مساومة بيد النظام أو تركيا أو أي قوة أخرى.

نداؤنا إلى جميع القوى الكردية، في المجلس الوطني، وفي صفوف PYD و PYNK، وإلى المستقلين والتيارات خارج الإطارين:

كفى استنزافاً للوقت والفرص. كفى انقسامات تُضعف الموقف وتقتل الأمل. إن مصير أجيال كاملة يتوقف على لحظة شجاعة تُعيد الاعتبار لمخرجات مؤتمر قامشلو وللفكرة الأساسية التي اجتمع عليها الكرد منذ البداية: وحدة الصف والموقف.

فإما أن يرتقي الجميع إلى مستوى التحدي، ويتجاوزوا الحسابات الحزبية الضيقة، ويجلسوا معاً على طاولة واحدة، أو أن يتركوا الباب مفتوحاً للآخرين كي يقرروا مصير الكرد نيابة عنهم. وحينها سيكون الثمن باهظاً، والخسارة تاريخية لا تعوّض.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…