سري كانييى حسابات خاطئة و فاتورة مؤجلة

دلدار
قامشلوكي
   

 

إن الأحداث الجارية
في سري كانييى (رأس العين) أثبتت سذاجة إطروحات المحافظة على المناطق الكردية آمنة
و مستقرة، أو مراهنات الحفاظ على سلمية الثورة في هذه المناطق كذلك أثبتت قصر نظر
الرافضين للتسليح و لا واقعية تلك المحاولات، فالبقاء مكتوفي الأيدي أو تجريد
الشعب الكردي من وسائل الدفاع المشروع عن النفس تجاه خطر يهدد وجوده و كيانه
القومي أمر لا يمكن تبريره خاصةً في وضعٍ كالحالة السورية التي تطال تأثيراتها و
شرارات نارها حتى الجوار الإقليمي، وتشتد على خلفيتها الاصطفاف بكل مضامينها.

لقد سعى النظام منذ
البدء إلى تحييد الكرد عن معادلة التغيير في سوريا، و لم يخطط لجر الكرد إلى صراع
عسكري مفتوح قد يفقده زمام السيطرة و يخرج الأمور عن السياق الذي رسمه لنفسه في
مواجهة مسارات العمل المعارض على الرغم من أن مشاركة الكرد في العمل الاحتجاجي و
المظاهرات لم تقل عن مشاركة الآخرين في شيء لكن النظام كان يخطط – كما كان يفعل
دوماً في تعامله مع الحراك الكردي – لسيناريو خاص بالمناطق الكردية يناسب خصوصيتها
و يستند إلى الفهم الهش للبعد الوطني للقضية الكردية الناتج عن فقدان الثقة بين
المكونات السورية المختلفة كنتيجةً لانعدام أو قلة التواصل و هشاشة الرباط بين
القوى السياسية كمحصلة لسياسات التهميش و الإقصاء عبر سنين طويلة، واستناداً لذلك
السياق المرسوم مسبقاً تجنب النظام إهدار الدم الكردي لذا بقيت المناطق الكردية
آمنة و مستقرة لفترة طويلة نسبياً فلم نشهد اعتقالات كبيرة أو عمليات قتل
للمتظاهرين كما لم تتعامل السلطة مع مظاهرات المناطق الكردية بنفس الوحشية التي
تعامل بها مع المناطق الأخرى
 بذلك لم تكن ثمة حاجة للكرد على حمل السلاح في وجه
السلطة بعكس المناطق الأخرى.

لم يفلح النظام في
تجاوز ثوران البركان الكردي فحسب بل تمكن من تحويل منحى العمل الكردي المعارض
باتجاهات لا تخدم القضية القومية الكردية في سوريا و تتعارض مع مسار الثورة
السورية التي اجتاحتها أيضاً بل باتت تتصدر المشهد السياسي و المسلح فيها
إيديولوجيات عقائدية و مجموعات سلفية جهادية لا تخدم أجندات الثورة بل أجندات
إقليمية لا تهمها صيانة الدم السوري أو مصالح الشعب السوري بشكله الجمعي أو المكوناتي.

 لم يعد بإمكان الكرد
المراهنة على أمان و استقرار مناطقهم بعد اجتياح مجموعات مسلحة – أياً كانت و تحت
أية مسميات – لمنطقة سري كانييى (رأس العين) و احتمال تكرار مثل تلك الاجتياحات أو
توسع نطاقها خاصةً أنها تستند إلى وقائع مستجدة هي من نتاجات السلوكية الكردية، و ضيق
الأفق الكردي وعدم التحسب لأساليب النظام المعهودة بتوكيل جهات تخوض حربه نيابةً
عنه في أماكن عديدة ( لبنان، العراق، الداخل السوري حالياً ………الخ )، أو بتحويل
الصراع إلى اقتتال كردي – عربي أو اقتتال بين المكونات السورية (القومية و الدينية
و الطائفية) بدلاً من كونه صراعاً بين منظومة الحكم و من والاها (من جميع المكونات
و الأطياف)، و منظومة الثورة ومن سار في دربها (أياً كانت و مهما كانت مرجعياتها).
 بناءً عليه فإن تحشيد
الكرد للمشاركة في الأحداث الدموية المؤسفة الجارية في سري كانييى و اعتبارها
معركة وجود هي من الأخطاء القاتلة التي لا يمكن تصحيحها بسهولة سيدفع الكرد ثمنها
باهظاً من حاضرهم و مستقبلهم، إلا إذا كانت المجموعات المسلحة التي قدمت إليها هي
جهات تابعة للنظام أو تنفذ أجنداته بشكل أو بآخر، فإنعاش الفتنة التي أثارتها جهات
معادية لطموحات الشعب الكردي و حقوقه المشروعة، أو الضخ في اتجاه التوتير بين
حلفاء آنيين مفترضين – مهما اختلفت قناعاتهم و مرجعياتهم – يجمعهم مرحلياً هدف
السعي لإسقاط النظام بدلاً من محاولات وأد تلك الفتنة في مهدها أو السيطرة عليها
أمور لا يمكن تفسيرها إلا في إطار جر الكرد إلى فخ تغليب التناقض الثانوي مع بعض
أطياف المعارضة على التناقض الرئيسي المفترض أن يكون مع منظومة الحكم بغية إلهاء
الكرد و تشتيت طاقاتهم في معارك هامشية لتغييبهم عن المشاركة في عملية التغيير
الداخلية و بالتالي حرمانهم من استحقاقات المرحلة اللاحقة، و جعلهم كبش فداء في
لعبة إقليمية متعددة الأطراف، و ما يؤسف له أن ذلك يتم التسويق له اعتماداً على
مواقف بعض السياسيين الكرد – الذين لم يبذلوا جهوداً تذكر لتصحيح مسار الأحداث – وتصريحاتهم
سواءً السابقة منها أو اللاحقة، و استناداً لإسقاطات تجارب تاريخية مريرة للواقع
الكردي في الجوار الإقليمي مع وجود التربة الخصبة و الأرضية المناسبة في الفكر
السياسي و الميراث الثقافي الكردي للتأسيس لتلك الحالة و تمرير هذه السياسات.

 

 28/1/2013م  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…