بدران مستو
رغم المشاهد الدامية التي شهدها الساحل السوري ومحافظة السويداء، واستمرار حالة التوتر التي تتصاعد أحياناً إلى مواجهات بين السلطة السورية المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية، في ظل تنامي الخطاب الطائفي والتحريض على الكراهية، وتزايد القلق لدى مختلف المكونات السورية بشأن أمنها وحقوقها، وما تسببه هذه التطورات من تعميق للانقسام الوطني وتفكك في النسيج الاجتماعي، فإن السلطة القائمة لم تظهر أي رغبة في مراجعة ممارساتها الاستبدادية، ولم تستخلص العبر من تجاربها السابقة، بل إنها تواصل السير على ذات النهج الإقصائي الشمولي، في إطار التحضير لما يسمى “انتخابات مجلس الشعب” المقررة في منتصف أيلول القادم، مستندةً إلى صلاحيات مطلقة ممنوحة لرئيس السلطة المؤقتة، صلاحيات لا نظير لها حتى في أكثر الأنظمة دكتاتورية، إذ تتيح له تعيين ثلث أعضاء المجلس بشكل مباشر، فيما يتم اختيار الثلثين الآخرين بطريقة غير مباشرة عبر لجنة فرعية قام بتعيينها مسبقاً، مع استبعاد ثلاث محافظات من هذه العملية بذريعة عدم استتباب الأمن فيها.
إن هذه “الانتخابات” هي عبارة عن حفلة تعيينات مغلقة، سيحضرها أعضاء ومناصري هيئة تحرير الشام، بينما يقصى مكونات الشعب السوري عن المشاركة والتمثيل، ويحرم من ممارسة حقوقه الطبيعية في الانتخاب والترشيح ، إنها محاولة مكشوفة لتغييب الإرادة الشعبية، وتكريس سلطة الأمر الواقع، عبر مشهد انتخابي زائف يهدف إلى انتزاع شرعية لا تستند إلى أي توافق وطني حقيقي.
إن استمرار السلطة المؤقتة في انتهاج سياسة التفرد، وتجاهلها المتعمد لحجم التحديات الداخلية، يعكس حالة من الانفصال عن الواقع الوطني، يفاقم من تعقيد الأزمة السورية. فبدلاً من اعتماد العقلانية والحوار في معالجة القضايا الوطنية، تواصل هذه السلطة تجاهل مخرجات الاجتماعات الإقليمية والدولية (العقبة والرياض وباريس)، إضافة إلى البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 10 آب 2025، والذي أعاد التأكيد على ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة تستند إلى القرار 2254 .كما أن هذا النهج لا يسهم في بناء وطن آمن ومستقر، بل يعمق حالة الفوضى ويزيد من هشاشة الوضع الأمني، ويجعل سوريا عرضة لمزيد من التدخلات الخارجية، بما فيها إمكانية اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما قد يفتح الباب أمام سيناريوهات دولية غير محسوبة العواقب.