الوحدة أو السقوط

خالد حسو

لا شكّ أنّ النقد البنّاء ليس ترفًا فكريًا ولا شعارًا عابرًا، بل هو حقّ طبيعيّ وأداة شرعية، بل ضرورة مُلحّة في حياة الأمم والشعوب.
فبلا نقد يتعطّل العقل، وبلا مساءلة يترهّل الجسد الجمعي. لكنّ الخط الفاصل بين النقد الهادف للإصلاح وبين الهجوم المسعور الهادف للتدمير، هو خطّ الحياة والموت، خطّ المصير ذاته.
إنّ الحركة التحررية الكوردية، ومعها جميع المنظمات الثقافية والاجتماعية والسياسية والإنسانية والحقوقية الكوردية – باستثناء الطابور الخامس الخائن – لم تُبنَ على الورق، ولم تُرسم بأقلام المكاتب، بل قامت على دماء الشهداء، ودموع الأمهات، وصمود القرى والمدن، وصوت السجون والمنافي. إنها ليست مجرد مؤسسات أو أسماء، بل هي ثمرة قرنٍ من المقاومة، وإرث تضحياتٍ لا تُقدّر بثمن.
إنها الإطار السياسي الذي أوجد للكورد مكانًا في خرائط الإقليم، وفتح ثغرة في جدار الصمت العالمي ليطلّ منها الصوت الكوردي الحرّ. إنها الرئة التي يتنفس بها الكورد في زمنٍ تتآمر فيه قوى الأرض جميعًا على خنقهم، وهي الحصن الأخير الذي يحمي هوية شعبٍ أُريد له أن يتفتّت ويذوب.
نعم، لا نخفي أن هنالك أخطاء جسيمة، ونواقص تستوجب المراجعة، وقرارات يجب أن تُعرّض للمساءلة.
ولكن ما يجب أن يُقال بصرامة:
النقد شيء، والطعن في الخاصرة شيء آخر.
الغضب مشروع إذا كان إصلاحًا، لكنه يتحوّل إلى خيانة إذا انقلب هدمًا وتشكيكًا في صميم المشروع التحرري.
فلنكن واضحين:
الإصلاح فريضة سياسية وأخلاقية والمساءلة شرف لا ينبغي أن يُهمل.
لكن التدمير الشامل، وإطلاق السهام على الذات، وتسفيه كل منجزاتنا، لا يخدم إلا أعداء شعبنا.
إنهم وحدهم من يصفّق حين ننهش لحمنا بأيدينا، وهم وحدهم من يحصدون الغنيمة حين نتقاتل فيما بيننا.
قوة الكورد لم تكن يومًا في التشرذم والتشكيك، بل في الوحدة، في صلابة الصفّ، في تطوير البرامج والرؤى، في القدرة على الوقوف في وجه العاصفة كصخرة لا تنكسر. إنّ التشكيك المستمر ليس حرية تعبير، بل سمّ زعاف يتسلل إلى الروح الجماعية ليهدمها من الداخل.
يا أبناء شعبنا، لستم مطالَبين بعبادة الأشخاص ولا بتقديس القيادات، لكنكم مطالبون بألا تُسلّموا رقابكم للريح.
أن تنتقدوا لتُصلحوا نعم، لكن لا أن تهدموا لتُرضوا خصومكم. أن تراجعوا لتُقوّموا نعم، لكن لا أن تنحروا مشروعكم على مذبح الانفعال.
إنّ الكوردي الذي يجلد ذاته في زمن المؤامرة، إنما يحفر قبر قضيته بيديه.
أمّا الكوردي الذي يُصلح بيته الداخلي بوعي، ويشدّ بنيانه من الداخل، ويذود عن قضيته من الخارج، فهو الذي يحفظ الدم والتاريخ، ويصون مشروع الحرية من السقوط.
إنّ وحدتنا ليست خيارًا ثانويًا، بل قدرٌ وواجب. وأيّ تفريط فيها هو خيانة للدماء التي سالت، وللمستقبل الذي ننتظره، وللأمة التي تستحق الحياة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…