من دفتر يومياتي.. عندما بدأنا باختراق جدار العزلة ومد الجسور

صلاح بدرالدين

وفاء لذكرى صديق شعبنا الراحل – جيرار شاليان –

من حق شعبنا علينا، وخصوصا الجيل الناشئ، أن نوضح له نحن معاصرو بدايات حركتنا السياسية الحقائق بتجرد وبكل أمانة، وأن نحاول وضعه في صورة طبيعة نضالنا قبل أكثر من نصف قرن، وما قدمناه في خدمة قضايانا بالرغم من صعوبة ظروف ذلك الزمان ومخاطرها.

وفاء للراحل الذي غادرنا منذ أيام، الصحافي والباحث الفرنسي من أصول أرمنية – جيرار شاليان

فقد نشر رفيق الدرب – ربحان رمضان أبو جنكو – في بوست على موقع الفيسبوك:

(هذه الصورة عمرها حوالي خمسون عام.. ويقول: أرسلها لي أخ وصديق غالي أخذناها في ملعب الشركة الخماسية لكرة القدم ومعنا صحفي فرنسي أرسله إلي الرفيق الأمين العام للحزب يومها الأستاذ صلاح بدر الدين ليكتب عن وضع الشعب الكردي في سوريا، وقد تجولت معه في دمشق ثم رافقه أحد رفاقنا إلى القامشلي وكتب تحقيقا صحفيا عن الكرد في سوريا بحوالي 35 صفحة).

الصحفي الفرنسي المشار إليه في الصورة هو جيرار شاليان، الذي تابع تطورات القضية الكردية منذ ذلك الحين وحتى وفاته. وقد أصدر العديد من المقالات، وشارك آخرين في إصدار كتاب حول القضية الكردية بالشرق الأوسط، وقام بزيارات عديدة إلى إقليم كردستان العراق.
كانت أولى تلك الزيارات عن طريقنا عندما اجتاز الحدود السورية – العراقية بمساعدة رفيق دربنا – بافي كاميران – عبر قريته – جم شرف – على ضفاف دجلة. (اجتزت الحدود من نفس المكان عندما قمنا بزيارة الزعيم الراحل البارزاني عام 1967).

كنت قبل ذلك على تواصل مع الصحفي والمناضل الثوري الفرنسي المعروف الراحل جان بيير فينو، وقد التقيت به مرارا مع زميله شاليان في بيروت. كان مختصا بكل من (كردستان وبلوجستان)، وكان المفترض أن يحضر هو إلى سوريا، ولكن لأسباب صحية اقترح زميله – شاليان – ليحل محله، وهذا ما حصل. تابع الأخير رحلته إلى كردستان العراق بعد دمشق، عفرين، والقامشلي بمساعدة رفاقنا.
أما الراحل – فينو – فقد وردني خبر وفاته في بلوجستان بسبب مرض ألم به وهو برفقة الثوار البلوجيين الذين يطالبون بحق تقرير مصير شعبهم.

خطوات مستمرة في تعريف قضايانا

منذ ستينات القرن الماضي، وخاصة بعد كونفرانس الخامس من آب 1965، وبعد مكوثنا – الاضطراري – بلبنان، كانت إحدى مهامنا الأساسية هي تعريف القضية الكردية عامة والقضية الكردية السورية على وجه الخصوص للرأي العام الوطني والعربي والإقليمي والأممي.

ساهمنا في تسهيل زيارات العشرات من الصحافيين والإعلاميين العرب والأجانب إلى مناطقنا الكردية السورية وإقليم كردستان العراق خلال مرحلتي الثورة وتحقيق الفدرالية. وبالإضافة إلى ما تم ذكره أعلاه بخصوص – شاليان – فقد سبقته وأعقبته حالات أخرى، ومن أبرزها:

يفكيني بريماكوف

التقيت به بداية الستينات في منزل الصديق اللبناني المشترك المرحوم سهيل يموت – رئيس منظمة أنصار السلام اللبنانية – وكان بزيارة إلى بيروت من مقر عمله بالقاهرة حيث كان مراسلا لصحيفة – البرافدا – السوفيتية.

تبادلنا الحديث حول الشؤون الكردية بصورة مفصلة، وكما أتذكر لم يخلُ حديثي من بعض العتب على – الرفاق السوفييت.
وبعد فترة، وكانت ثورة أيلول 1961 مندلعة، أرسل لي أنه يريد الذهاب إلى كردستان العراق بمساعدتنا، وتم التنسيق ثم نقله رفاقنا من القامشلي – أوتيل هدايا – إلى حقل – رميلان – القريبة من الحدود، وكان يديرها الخبراء السوفييت.

قبل الموعد المقرر للبدء برحلته واجتياز نهر دجلة، أرسل خبرا أن عليه العودة إلى دمشق لحدوث تطورات مفاجئة حيث حدث انقلاب ضد الرئيس السوري – أمين الحافظ –. ثم علمنا بعد ذلك أن – بريماكوف – زار الراحل مصطفى بارزاني عن طريق بغداد.

منظمة الميديل إيست والسيدة شيري

في إحدى زياراتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية تلبية لدعوة من – المؤتمر الوطني الكردستاني – في سان دييغو بكاليفورنيا لحضور مؤتمره العام السنوي، مكثت عدة أيام في – نيويورك – بهدف زيارة المركز الرئيسي لمنظمة – هيومان رايتس ووتش.

بحسب العنوان، ودون موعد مسبق، طرقت باب مكتب المنظمة، وبعد التعريف بهويتي استقبلني مسؤول الشرق الأوسط السيد – كريستوفر – بترحاب (أمريكي من أصل لبناني). عقدت اجتماعا مطولا انضم إليه نائبته ومسؤولون آخرون، وتم الاتفاق على زيارتهم ثانية في طريق العودة من الكونفرانس.

بعد أسبوع كنت في مكتبهم مرة أخرى، وعقدت معهم لقاءين آخرين. تمت الاستجابة المبدئية لاقتراحي بزيارة موفد أو بعثة من منظمتهم لسوريا لتقصي الحقائق، واستعدادنا لتقديم المساعدة بهذا الشأن. بعد العودة إلى بيروت مقر عملي استمرت المراسلة، وخلال أعوام متتالية كانت السلطات السورية تمتنع عن منح الفيزا.

إلى أن تمت المعجزة، وحصلت المديرة التنفيذية الجديدة لقسم الشرق الأوسط السيدة شيري (التي كانت نائبة للمدير) على الفيزا السورية، وبدأ التنسيق. وصلت دمشق عام 1995، وبمساعدة مباشرة من رفاقنا في ”الاتحاد الشعبي” آنذاك، قامت بجولة شبه سرية محفوفة بالمخاطر في بعض المناطق الكردية، وأجرت لقاءات مع ناشطين سياسيين.

كانت حصيلة كل تلك اللقاءات والوثائق التقرير الأول حول كرد سوريا:
“THE SILENCED KURDS – الكرد تحت عنوان المخروسين أو المسكوتين”، من تسعة وستين صفحة بتاريخ – أكتوبر 1996 –.

سلط التقرير الضوء على الحالة الحقيقية من الجوانب الإنسانية والقانونية: المظالم، التمييز، الحرمان، إسقاط الجنسية، منع اللغة الكردية، تغيير الأسماء، التركيب الديموغرافي في مناطق الأكراد، والاضطهاد الاجتماعي والثقافي والإقصاء السياسي والملاحقات والسجن والاعتقال لأسباب قومية.

كانت المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن الحقيقة الكردية السورية بهذه الدرجة من الوضوح من جانب منظمة عالمية. ثم تتالت الشهادات والأخبار والتقارير من هذه المنظمة وكذلك من منظمة العفو الدولية بصورة منتظمة بخصوص معاناة كرد سوريا.

حتى صدور التقرير الأخير – موضوع بحثنا – الذي تجاوز الأطر المنهجية المتبعة عادة في صياغة بحوث وتقارير المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، ليلمس مباشرة لب المشكلة كقضية قومية وليست إنسانية فحسب.

بعد سرد تفاصيل المعاناة وانتهاكات حقوق الإنسان الكردي في ظل الأحكام العرفية وتحكم أجهزة الأمن والمخابرات والملاحقات والاعتقالات، وبعد أن يفند التقرير التهم المنسوبة إلى الناشطين الكرد مثل: ”إثارة النعرات العنصرية”، ”اقتطاع جزء من سوريا”، ”إضعاف الشعور القومي العربي”، ”تشكيل خطر على أمن الدولة”، و”التعامل مع الجهات الخارجية” –

يوثق التقرير عشرات اللقاءات الحية مع المواطنين الكرد والسجناء السابقين، ويضع أمام أنظار الرأي العام العالمي محنة أبناء القومية الكردية السورية.

يطالب واضعو التقرير الحكومة السورية بـ:

  • تشكيل لجنة تضم ممثلين عن الحركة الكردية للتحقق والمتابعة وإنصاف المظلومين.

  • إلغاء المراسيم والقوانين والسياسات المجحفة بحق الكرد، بما فيها المرسوم رقم 49.

  • ضمان حقوقهم السياسية والثقافية وحق التعبير عن آرائهم وطموحاتهم.

  • افتتاح المدارس ذات البرامج باللغة الكردية.

  • حرية إقامة الأحزاب السياسية الكردية.

  • دعوة خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بقضايا القوميات والأقليات إلى زيارة سوريا.

ويستخلص التقرير ويثبت جملة من الحقائق للمرة الأولى تجاه الكرد، ومنها:

  • الاعتراف بجغرافية ومناطق كرد سوريا في شمال وشرق البلاد.

  • تقدير نسبتهم بنحو 10% من سكان سوريا.

  • مخاطبة الحكومة السورية بلهجة إدانة لموقفها المقاوم للتغيير مقارنة بتحسن أوضاع الكرد في العراق وتركيا.

  • دعوة المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، للضغط على الحكومة السورية ومقايضة العلاقات بمدى تحسين وضع الكرد، وإجبار الرئيس الأسد على الإقرار بمشاركتهم في القرارات المؤثرة بمصيرهم.

لانبالغ إذا اعتبرنا ما جاء في التقرير متقدما بأشواط على مواقف التيارات العربية المحسوبة على المعارضة (قوموية، إسلاموية، ويسارية)، وأكثر دقة وجدية من الخطاب السياسي لبعض المجموعات الحزبية الكردية السورية – وتحديدا تلك التي لم يرد ذكر أي خبر عن نشاطاتها ومعتقليها.

بكل ما جاء فيه، يؤكد التقرير على استبدادية وعنصرية النظام البعثي المقبور، الذي لن يجدي معه أية وسيلة سوى العمل على تغييره.

ملاحظة: نشرت أجزاء من هذه المادة بصيغة مختلفة في موقع ولاتي مة قبل أعوام.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…