سوريا إلى أين، في ظل التدخلات الخارجية، وخصوصاً تركيا؟

أحمد مرعان

منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 وحتى اليوم دخلت البلاد في نفق مظلم من الصراع الداخلي والتدخلات الخارجية، نتيجة عدم تنازل السلطة آنذاك عن المصالحة الوطنية، ورفض الحلول الناجعة لتجاوز الأزمة بصدق، واستقوائها بإيران وروسيا، واستمرارها في التعامل الأمني مع المعارضة، ورفض أي حل سياسي حقيقي، فضلاً عن تشكيل منصات معارضة على مقاسها بزرع شخصيات موالية لها. وهكذا تحولت الساحة السورية إلى مسرح لتوازنات دولية معقدة، وبرزت التدخلات التركية كأحد أبرز العوامل المؤثرة في الشمال السوري، من خلال المطالبة بإقامة مناطق عازلة داخل الأراضي السورية، والعمل على تشكيل جماعات تابعة لها، تنتهك أعراض الناس وتصادر ممتلكاتهم، تحت ذريعة الأمن القومي التركي من جهة، وبحافز أطماع جيوسياسية من جهة أخرى.

ظل الشعب السوري وحده يدفع ضريبة الاقتتال الداخلي طوال أربعة عشر عاماً، إلى أن انقلبت موازين القوى وجيء بالسلطة الحالية في مشهد مثّل مفاجأة مدوية على مستوى العالم، ضمن مؤامرة دولية جديدة لم تكن في حسابات التحليل السياسي وفق منظور الواقع، تحت ادعاء محاربة التنظيمات المتطرفة عقائدياً، ولا سيما الإسلامية منها.

في السياسة لا ثوابت دائمة؛ فالمصالح هي الغالبة على مسارات التنحي والتنصيب، وما هؤلاء القادة إلا أحجار على رقعة شطرنج تحمي الملك وحاشيته من السقوط ليس إلا. أما السلطة السورية فما زالت تمارس سياسات القمع والإقصاء السياسي والتمييز المجتمعي، الأمر الذي يعمق الانقسامات ويشكّل عثرة أمام أي مصالحة وطنية حقيقية، ويفتح الباب لعودة التوترات في أي لحظة، كما حدث في الساحل في آذار الماضي، وما جرى في مدينة السويداء، وكذلك التفاف بعض العشائر لمناصرة الدولة بدافع نخوة عشائرية، وكأننا ما زلنا في القرون الوسطى، دون إدراك لمفهوم الدولة والقوانين التي تصون كرامة المواطن وتكفل حرية الرأي.

وما التحريض والتحشدات الجارية اليوم ضد “قسد” إلا امتداد لأجندات تركية هدفها التوغل أكثر في الأراضي السورية وفرض الوصاية عليها.

لقد خرجت الحلول من يد السوريين، وأصبحت سوريا ساحة للحسابات الدولية والتناحرات الإقليمية. والوضع لا يبشر بالاستقرار، طالما أن السلطة مستمرة بالنهج ذاته، والتدخلات الخارجية تتعزز يوماً بعد يوم خدمة لمصالحها على حساب سيادة البلاد. فالتدخل التركي، وإن كان مرتبطاً بحسابات أمنية معلنة، إلا أنه بات يمثل تحدياً خطيراً لوحدة الأراضي السورية. ولا أفق حقيقياً للحل إلا بوجود إرادة دولية جادة تفرض تسوية شاملة، تحفظ كرامة الشعب السوري، وتعيد تشكيل نظام سياسي عادل وشامل.

وفي الخلاصة، لا بد من القول للشعب السوري إن التحريض على الاقتتال لا يحمل شرفاً ولا بطولة، بل يجرّ الأوطان إلى الخراب، ويحوّل أبناء البلد الواحد إلى أعداء متناحرين. ومن يظن أن العنف يصنع نصراً فقد خدع نفسه؛ فالتاريخ شاهد أن الدم لا يورث إلا الدم، وأن الكراهية لا تثمر سوى الندم. والحكمة تقتضي أن ندعو إلى توحيد القلوب لا إلى تفريقها، وأن يكون اللسان الصادق داعياً إلى العدالة والسلم لا إلى البغضاء والانتقام.

إن المسؤولية الأخلاقية والفكرية تفرض علينا مواجهة خطاب التحريض بالحكمة والتعقل، والتذكير بأن ما يجمعنا من إنسانية وأرض وأحلام أكبر بكثير مما يفرقنا. فالوطن لا يُبنى بالرصاص، بل بالعدل والمساواة والمعرفة والعمل الصالح.

فلنرفع صوتاً واحداً: كفى دعوات إلى العنف، وكفى متاجرة بدماء الأبرياء. إن الكلمة الصادقة التي ينطق بها اللسان والقلب والفكر يجب أن تكون جسراً للعبور نحو السلام، لا وقوداً لحرب لا تُبقي ولا تذر.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…