٥ آب ١٩٦٥… حين غيّر الراحل عثمان صبري مسار النضال الكردي في سوريا

 حوران حم
تمرّ علينا في هذا اليوم ذكرى مفصلية في تاريخ الحركة الكردية في سوريا؛ ذكرى 5 آب 1965، حين شكّل الراحل الكبير عثمان صبري منعطفًا حاسمًا في مسار النضال الكردي، نقل فيه الحركة من ضبابية المواقف إلى وضوح الرؤية، ومن التردد السياسي إلى الاستقلالية النضالية.
كان ذلك اليوم ترجمةً فعلية لصراعٍ خفيٍّ بين يمينٍ يبحث عن مساومة تبقي الكرد في هامش المشهد الوطني السوري، ويسارٍ كان يؤمن، دون مواربة، بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه ضمن وطن يضمن العدالة والمساواة بين مكوناته.
مدرسة الاستقلالية الكردية السورية
لقد كنّا نحن أبناء تلك المرحلة من الذين تتلمذوا في مدرسة عثمان صبري؛ مدرسة تؤمن بأن القضية الكردية في سوريا لا يمكن أن تكون ذيلاً لأي محور أو لعبة إقليمية، ولا مجرد “مسألة ثقافية” قابلة للتسويف ضمن خطاب قومي أو إيديولوجي مشوش.
في الخامس من آب، لم يكن مجرد بيانٍ سياسي أو موقف تنظيمي. بل كان إعلانًا فكريًا وسياسيًا واضحًا: لا بد من انتزاع القرار الكردي من أي تبعية، ولا بد من خوض معركة الكرامة الكردية بأدوات كردية، ورؤية سورية، ونَفَس أممي لا يُذيب الحقوق القومية في وهم الشعارات.
نضال بين اليمن واليسار
في تلك الفترة، كانت التيارات داخل الحركة الكردية تتأرجح بين من يريد الالتصاق بأنظمة شمولية بحجة “الوحدة العربية” أو “الممانعة”، وبين من كان يرى أن القضية الكردية لا تُحل إلا عبر بوابة الاعتراف بوجود الشعب الكردي كشعبٍ أصيلٍ، له حقوق جماعية وسياسية وثقافية، في سوريا المستقبل.
وكان موقفنا واضحًا: لسنا ضيوفًا في هذا الوطن. نحن شركاء فيه، وتاريخنا سابق على جغرافيا سايكس ـ بيكو، وحقوقنا لا تُختصر بـ”مواطنة منقوصة” أو “هوية مجتزأة”. ولهذا، كان 5 آب محطة الوعي السياسي والوضوح التنظيمي الذي شكّل القاعدة لكل ما تلاها من حركات وتيارات وبيانات.
من ذاكرة النضال الشخصي
كنتُ شاهدًا، وكنتُ جزءًا من هذه المدرسة النضالية، التي لم تكن فقط تنظيماً حزبياً، بل كانت حالة وعي جماعي، وروح مقاومة، وزخمًا فكريًا صاغ رؤى متقدمة رغم ضيق الإمكانيات، وتآمر المحيط، وتخاذل من حسبناهم يوماً حلفاء.
اليوم، بعد ستة عقود تقريبًا، لا يزال درس 5 آب حاضرًا: أن لا مساومة على القرار الكردي المستقل، ولا تمييع للحقوق الكردية باسم التوافقات الزائفة، ولا انخداع بشعارات تذيب القضية في مشاريع غير كردية.
الوفاء لنهج الاستقلال والكرامة
إن الوفاء لعثمان صبري لا يكون بتمجيده كشخص فقط، بل بحمل روحه النقدية، ونزاهته السياسية، وجرأته في قول “لا” حين كان كثيرون يهرولون لـ”نعم”.
وفي هذه الذكرى، نعيد التذكير أن الحركة الكردية في سوريا لن تستقيم بغير بوصلتها الأصلية: الحرية، الكرامة، والاستقلالية في القرار.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زبير عبدالله
زبير عبدالله
4 شهور

انا على معرفة رفاقية طويلة مع الجميع،لكنني لم اسمع بحوران حم…مع الاعتزار…

اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…