عمر كوجري
استبشر السوريون خيراً بعد الثامن من ديسمبر – كانون الأول العام 2024 بالسقوط المُدوّي لطاغية سوريا وحزب البعث الإرهابي الفاشي، والذي سطّر تاريخ سوريا الحديث بألوان الدم والفجيعة.
السوريون شمّوا رائحة الحرية بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم، وشعروا بعد أكثر من خمسة عقود أن سوريا الغد ربما تكون أجمل.. ولكن!!
قطّاعات شعبية واسعة حتى من لون النظام السابق، ومن طائفته التي لم تقتصر في طائفة محددة، انضمّت إلى الأمل، واستمالت إليه، وحاولت أن تفسح المجال لهيئة تحرير الشام وباقي الفصائل العسكرية التي حكمت إدلب (شمال سوريا) لعدة سنوات بشكل شبه تام، رغم نوازعها الدينية المتطرّفة، ووجود آلاف من المسلحين الوافدين من خارج سوريا، ومن جنسيات بعيدة، قدمت إلى سوريا لأداء (واجب الجهاد) والتي ظلّت مستمرّة للآن بعد أن مُنحت الضوء الأخضر، والتّشجيع، وغضّ النظر من الولايات المتحدة في شخص رئيسها المتقلب والمزاجي «ترامب»، وتقلّدت مناصبَ عسكريةً هامة، ومازالت مداومة.!!
في الأيام الأولى انشغل السوريون، والمجتمع الدولي والمهتمون بسوريا ما بعد عهد الهارب الأسد الابن، وما بعد حزب البعث الفاشي بصور الرُّعب من سجن صيدنايا وغيرها من صور إجرام العهد السابق، ولكن بعد أن هدأت النفوس، واستقرت الأوضاع قليلاً، عاد السوريون وغيرهم للاهتمام بالداخل السوري، والمستجدات الجديدة.
لكنّ السلطةَ الجديدةَ لم تكن بمستوى جراحات وتضحيات ملايين السوريين، والدمار الذي لحق بكلّ مدينةٍ وقرية سورية على امتداد أربعَ عشرةَ سنة هي الأصعب في تاريخ سوريا الحديث..
سلطةُ إدلبَ حاولت تطبيق نموذج حكمها على كامل سوريا، وهي التي لم تحصد النجاح حتى في تلك البقعة الصغيرة، وبدأ اللون الواحد الواحد «السني» يتصدر كل القطاعات السياسية والعسكرية والأمنية، والتدخل في حياة المواطنين الخاصة، وإشاعة ثقافة كراهية كل ما هو غير سني، وأن هذا المكون لاقى التعنيف والتهجير والقتل على يد النظام السابق، ومن حقه – كونه أكثرية- للاستئثار بكل مفاصل السلطة.
لم تنجح المبادرات واللقاءات والندوات التي كانت تجرى على عجل إلا بغرض تثبيت السلطات المطلقة للرئيس الذي أعلن أنه مؤقت لكن جعل كل شيء على مقاسه، وألغى الجيش، والبرلمان، وسرح عشرات الآلاف من الموظفين من وظائفهم، ولم يتوقف الأمر عند هذه الحدود بل تجاوز إلى ارتكاب القوات الأمنية التابعة للنظام «المؤقت» مجازر كبيرة بحق مدن وقرى الساحل السوري، وبعدها في ريف دمشق ” جرمانا وصحنايا” وتطور الأمر لقرار بالغ السوء وهو تشجيع أبناء بعض العشائر لمؤازرة الجيش، واجتياح مدينة السويداء وريفها وارتكاب جرائم فظيعة فيها، وهذا ما حدا ببعض السلطات المحلية للاستنجاد بإسرائيل وهي القوة الغاشمة في المنطقة، ولبت النداء، وإضافة إلى قصفها المتكرر لمعظم مصادر الجيش العسكرية، وتدمير كل شيء، قصفت بعض المراكز الحساسة في دمشق «محيط قصر الشعب- مبنى قيادة الأركان».
يحدث حالياً تهجير قسري وبروز الطائفية في أسوأ صورها من بعض العائلات السنية من السويداء، وربما يُهجّر الدروز من بلدتي صحنايا وجرمانا، وهل سيتم تهجير العلويين من بعض أحياء دمشق؟
وبعد: يبدو أنّ الزجاجَ الذي كان يُبان من خلاله شكلُ الطوائف في سوريا قد تهشّم تماماً بفعل ارتكابات النظام الجديد، وكذلك بعض الفصائل المسلحة سواءً في الساحل أو في السويداء.
هل سوريا ذاهبة من ليل أسود طويل إلى ليل أشد حلكة وأطول؟
======
صحيفة كوردستان – العدد 757