اللامركزية ليست وصفة سحرية التي يسعون إليه … وجهة نظري

أبو الزين زاهد العلواني
ما بين واقعنا المُزري والنماذج العالمية.
لاخلاف على أن اللامركزية أثبتت نجاحها في العديد من دول العالم، خصوصاً تلك التي خرجت من حروب مدمرة كالحرب العالمية الثانية.
هذه الشعوب خرجت من أتون الموت تبحث عن السلم الأهلي والتنمية، ووجدت في اللامركزية وسيلة لتوزيع السلطة وتخفيف التوترات وتعزيز المشاركة المجتمعية، وهم شعوب، ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم وتكوين سكانهم كلها متشابهة ومن أنفسهم.
لكن، من غير الموضوعي استيراد هذا النموذج من سياقه التاريخي والاجتماعي سنة 1950 وتطبيقه على واقعنا المُزري والمعقد في سوريا، دون النظر إلى التركيبة المجتمعية المختلفة جذرياً، وإلى تاريخ سياسي طُبع بالاستبداد الأسدي والبعثي والقومي لمدة 50 سنة.
نحن لا نتحدث هنا عن شعوب متجانسة كما في الدول الأوروبية، بل عن قبائل عربية إسلامية، وعشائر كردية إسلامية، وطوائف مسيحية، لكل منها ثقافتها وامتداداتها الاجتماعية والدينية، وكلها عاشت عقوداً طويلة في ظل نظام شمولي، مخابراتي، لامدني ولا تعددي.
في التجارب الغربية، كان هناك حد أدنى من الوحدة الوطنية والشعور القومي والنضج المدني، ومؤسسات فاعلة قادرة على ضمان تطبيق اللامركزية بشكل لا يمزق البلاد.
لم تكن اللامركزية لديهم قراراً ” فوقياً مفروضاً ” بل جاءت عبر نقاشات طويلة، دراسات معمقة، توافق سياسي، وتمرير تشريعي، ولم تلقَ اعتراضاً شعبياً واسعاً، بل كان هناك قبول مجتمعي وفهم لمعناها وأبعادها.
أما في سوريا عموماً والجزيرة على وجه الخصوص، فالوضع مختلف تمامًا.
نحن أمام تركيبة اجتماعية معقدة، عشنا في ظل انقسامات مزروعة، وفتن طائفية وعنصرية، وتدخلات إقليمية ودولية، وكل طرف يشد الحبل باتجاه مصالحه.
ومنذ إندلاع الثورة، تعيش سوريا حالة من القتل، التهجير، الدمار، والدماء، فكيف يمكن الحديث عن اللامركزية وسط هذا الخراب؟
تطبيق اللامركزية في ظل غياب الدولة المدنية، وانتشار الفوضى، وهيمنة تنظيمات فرضت نفسها بقوة السلاح والشعارات، هو تكريس للانقسام وليس تعزيزًا للتنوع. الأسوأ من ذلك أن جميع سكان الرقة،ديرالزور،الحسكة، لايعرفون حتى ما معنى “اللامركزية” في سياقها السياسي والإداري الحقيقي.
وإن كان لا بدّ من الحديث عن اللامركزية، فإن الوقت قد فات “طافهم القطار” للوصول إليها بطريقة صحية.
ما المطلوب اليوم؟
أولاً: إعادة بناء مفهوم المواطنة السورية.
ثانياً: إنهاء الطائفية والعنصرية بكل أشكالها.
ثالثاً: بناء دولة قانون ومؤسسات وطنية جامعة.
بعد ذلك فقط يمكن الحديث عن شكل الحكم، سواء كان مركزياً أو لا مركزياً، ولكن بشرط أن يكون هذا النقاش نابعاً من الإرادة الوطنية السورية الجمامعة، لا من شروط أمر واقع فرضه طرف على حساب آخر، سواء من العرب أو من الكرد أو من القوى الحزبية التي ترفض أي صيغة جامعة.
أقول لمن يروجون اللامركزية في وضعنا الحالي، ما يشبه المثال التالي:
كأنك تملك ثقافة طبية سطحية تعلمتها من مجلة “طبيبك”، وتحاول أن تعالج مريضاً لديه سكر وضغط ودهون ويعاني من مضاعفات قلبية حادة، عبر وصفة (كورتيزون)! دون الرجوع لأصحاب الأختصاص.
ياسادة ياكرام، فلا يستوي ما تصبون إليه.
تحياتي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…