نجاح هيفو
في صباح 27 تموز 2016، لم تكن شمس قامشلو تشرق كما اعتدناها. كان الضوء رماديًا، مثقلًا بما هو قادم. لحظة واحدة فقط كانت كافية لتحوّل المدينة إلى حطام.
تفجيرٌ بشاحنة مفخخة، استهدف شارعًا مزدحمًا بالحياة — بالمارة، بالأطفال، بالمستشفى، بالسوق.
لكن في الحقيقة، لم يكن الهدف شارعًا، ولا سوقًا، بل كان الحلم الكوردي ذاته.
في ذلك اليوم، مات العشرات، وأُصيب المئات.
لكن لم يُقتلوا وحدهم.
قُتل معنا شعور الأمان، انكسر فينا شيءٌ عميق اسمه الثقة بالحياة، وتحوّل صمت العالم إلى صفعة على وجه كل كوردية تحضن صورة ابنها وتنتظر عدالة لا تأتي.
ومع هذا، لم ننهزم.
قامت قامشلو من تحت الركام، لا بقرار سياسي، بل بقوة نسائها.
كانت المرأة الكوردية أول من أطفأ نار البيوت، أول من نظّف الشوارع من الدم، أول من دفن أبناءها ثم وقف شامخًا تقول: “سنبقى”.
المرأة الكوردية، التي يُراد لها دومًا أن تكون الهامش، صارت في قامشلو المتن.
ليست الضحية فقط، بل الناجية، والمعالجة، والمربية، والمناضلة.
هي من خاطت جراح المدينة بالخيوط النازفة من قلبها.
هي من وقفت وسط الدمار، لا لتبكي، بل لتُربّي جيلًا جديدًا لا يخاف، لا ينسى، ولا ينكسر.
هذه المرأة لم تنتظر عدسات الإعلام، ولا شعارات المجتمع الدولي.
هي تعرف جيدًا أن التاريخ الكوردي يُكتب بالدم، وأن الكردي لا يُمنح الحياة، بل ينتزعها انتزاعًا.
عندما نتحدث عن تفجير 27 تموز، لا نتحدث فقط عن جريمة ضد المدنيين، بل عن محاولة فاشلة لإسكات صوت قامشلو، لتخويف المرأة الكوردية من التقدّم، لتذكيرها بأن مصيرها إما الحصار أو القبر.
لكنّهن فشلوا.
المرأة الكوردية اليوم تُنظم، تُدير، تُداوي، تُعلّم، وتكتب.
هي اليوم صوت الضحية، وضمير الشارع، وهي الذاكرة الحية التي لا تموت.
هي التي حافظت على الأسماء في زمن المحو، على اللغة في زمن التهميش، وعلى العناد في زمن الركوع.
هي التي لم تنسَ أبناءها، ولم تتاجر بدمائهم، بل حوّلت الحزن إلى معنى، والمأساة إلى قوة.
في ذكرى تفجير قامشلو، نكتب لا لنرثي، بل لنُذكّر.
بأن الدم لم يجف، وأن الذاكرة لم تخن، وأن المرأة الكوردية لم ولن تعود للظل.
نحن هنا.
من أجل من رحلوا،
من أجل من ينتظرون،
من أجل من لم يُولدوا بعد.
قامشلو لم تمت، لأنها مدينة تحرسها النساء.