مظلوم عبدي بين البندقية  والدبلوماسية: باريس تستقبل رجل روج آفا في لحظة سورية حرجة

ياسر بادلي

 

في زمن تكثر فيه الانهيارات وتضيق فيه نوافذ الأمل، يصل الجنرال مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، إلى فرنسا، في زيارة تحمل أبعادًا دبلوماسية غير مسبوقة، تتجاوز مجرد لقاءات مجاملة سياسية. إنها لحظة سورية حرجة، وأوروبا – وتحديدًا باريس – تعود للعب دور “الوسيط الممكن”، في مشهد تتشابك فيه خيوط الحرب والسلام.

عبدي بين السلاح والسياسة

هو الرجل الذي قاد المعركة ضد تنظيم داعش، وهزم الرايات السود على الأرض السورية، ليس فقط دفاعًا عن روج آفا، بل عن مبادئ الحرية والتنوع والعدالة في كامل الجغرافيا السورية. واليوم، يبدّل عبدي بزته العسكرية بأخرى دبلوماسية، ليخوض معركة من نوع مختلف: معركة الحل السياسي.

زيارته لفرنسا لا تأتي في فراغ، بل في سياقٍ بالغ التعقيد، بعد المجازر التي شهدتها محافظة السويداء، والتي ارتكبتها عناصر مسلحة مرتبطة بأجهزة النفوذ، في ظل صمتٍ رسمي بات علامة مسجلة على تعامل الحكومة المركزية مع المكونات السورية.

ما حدث في السويداء لم يكن حادثًا عابرًا. بل شكّل نقطة تحوّل خطيرة في علاقة الدولة مع المجتمع. الثقة التي كانت مفقودة، تحولت إلى أزمة وجودية. التمييز وسوء الإدارة وانعدام الشعور بالمواطنة، كلها عوامل دفعت بالسوريين، وخاصة مكونات الجنوب والشمال الشرقي، إلى البحث عن بدائل أكثر عدلاً وإنصافًا.

باريس… من الانتداب إلى الوساطة

فرنسا، التي كانت بين عامي 1920 و1946 صاحبة القرار في الشأن السوري تحت راية الانتداب، تجد نفسها اليوم – بعد قرن تقريبًا – أمام فرصة جديدة لتصحيح التاريخ ولعب دور مختلف: الراعي للحوار والساعي للسلام.

الدوائر السياسية في باريس، تدرك أن الحل في سوريا لم يعد ممكنًا عبر النماذج المركزية القديمة. المنطقة بأكملها دفعت ثمناً باهظًا لسلطة مركزة فاشلة. واليوم، تُطرح اللامركزية كخيار حقيقي يضمن استقرار سوريا، ويمنح المكونات حقوقها، ويضع حدًا للنزاعات المتكررة.

لقاء منتظر مع وزير الخارجية السوري

ضمن هذه الزيارة، من المرتقب أن يلتقي مظلوم عبدي مع وزير الخارجية السوري على الأراضي الفرنسية. وهو لقاء يُتوقع أن يكون مفصليًا في مسار التفاهمات بين الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي وحكومة دمشق.

الهدف؟ ليس تقاسم نفوذ، بل رسم ملامح شراكة سياسية جديدة، مبنية على الاعتراف المتبادل والاحترام العميق للتنوع القومي والديني، والابتعاد عن منطق الهيمنة والإقصاء.

رسالة روج آفا: لا مركزية، لا مساومة على الحقوق

مظلوم عبدي لا يأتي إلى باريس ليطلب ودًا دبلوماسيًا، بل ليؤكد رسالة واضحة: أن المكونات السورية لن تقبل بعد اليوم أن تكون مجرد أرقام هامشية في معادلة مركزية متهالكة. وأن روج آفا، التي دفعت دماء غزيرة لتحرير أراضيها من الإرهاب، لن تفرّط بمكتسباتها، ولن تسمح بعودة عقارب الساعة إلى الوراء.

الزيارة الفرنسية ليست فقط دبلوماسية، بل رمزية أيضًا. إنها تقول إن الحلول تبدأ حين تُفتح الأبواب، لا حين تُغلق. وإن الرجل الذي قاتل في الخنادق، يمكنه أن يصنع السلام على طاولة التفاوض، حين يكون الطرف الآخر مستعدًا للاعتراف والتغيير.

سوريا الجديدة… هل تولد من باريس؟

ربما لن تحمل هذه الزيارة الحل النهائي، لكنها خطوة أولى نحو تحوّل سياسي مطلوب بشدة. في عالم لا يحترم إلا الأقوياء، يأتي مظلوم عبدي إلى فرنسا كقائد صنع تاريخه بنفسه، ليقول: نحن لا نطلب امتيازات، بل نطالب بحقوق. لا نبحث عن انفصال، بل عن عدالة. لا نريد الانتقام، بل نريد سلاماً لا يكون فيه أحد فوق أحد.

هل تنجح باريس في تقريب وجهات النظر؟ وهل يُكتب لسوريا أن تجد سلامها عبر لغة الشراكة لا القسر؟ ربما تكون الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
زبير عبدالله
زبير عبدالله
4 شهور

على الشعب الكوردي في غربي كوردستان الوقوف بكل مايملك وراء الجنرال عبدي، وعلى بقية أجزاء كوردستان تقديم كل الدعم له. …انه قائد وأثبت ذالك..

اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…