د. محمود عباس
أن يُلقى ثلاثون من مقاتلي حزب العمال الكوردستاني سلاحهم في غرب السليمانية، وتحديدًا عند مدخل كهف جاسني، في موقع يحتضن الذاكرة الكوردية بكل ما فيها من شقاء وكبرياء، حيث وُضعت أولى لبنات الوعي الثقافي الكوردي، وحيث انطلقت أولى الصحف من مطبعة كوردية حملت الحبر والحلم معًا، فالمشهد لا يُمكن أن يُقرأ إلا كأيقونة متشابكة بين التاريخ والنضال، بين الجرح والكرامة.
في ذلك الركن الحجري، المحفور في ذاكرة الوطن، وقف مشهدٌ يفيض بالمفارقة، ثلاثون مقاتلًا ومقاتلة، تُسلم أياديهم ما حملته لسنوات من بندقية ومبدأ، وكانت في مقدمتهم نساء كورديات مناضلات، واجهن طغيان المحتل التركي لعقود، ونسجن بدمائهن وشجاعتهن صورةً ألهمت العالم عن المرأة الكوردية المقاومة، التي لا تقف خلف الرجال، بل تتقدم الصفوف.
المشهد كان مؤلمًا بقدر ما كان فخمًا، لأن فيه انطواء لصفحة دامية، وبداية لمرحلة أكثر تعقيدًا، مرحلة ما بعد البندقية، حيث يتحول النضال إلى خطاب سياسي، والصمت إلى رسالة، والتراجع الظاهري إلى مناورة على رقعة دولية شديدة التشابك.
لحظة لا تُمثّل فقط نهاية مرحلة، بل إعلان بداية جديدة، تتقاطع فيها المأساة مع الأمل، والتكتيك مع الاستراتيجية، والسلاح مع الفكر.
سياسيًا وفكريًا، أرى أن حزب العمال الكوردستاني يدخل مرحلة جديدة من الصراع مع المحتل التركي، ليس من باب التراجع، بل من بوابة التحوّل الاستراتيجي، ورغم تحفظاتنا العميقة على نظرية “الأمة الديمقراطية”، وعلى بعض جوانبها الأيديولوجية، وقضايا أخرى، خاصة في سعيها لصياغة تركيا كدولة “لجميع الشعوب”، إلا أن ما لا يمكن إنكاره أن الحزب يمتلك قدرة لافتة على التكيّف مع المتغيرات، وقراءة اللحظة الدولية والإقليمية بوعي واقعي وسياسي نادر.
كثيرون لا يزالون يُقيّمون الحزب بمنطق التنظيم الكلاسيكي، أو يختزلونه في بُنية حزبية مسلحة، لكن الواقع العملي يُثبت أن حزب العمال الكوردستاني بات يتعامل مع الدول الإقليمية والعالم على سوية الدولة لا الحزب. مؤسساته، خطابه، شبكاته السياسية والإعلامية والاجتماعية، كلها تسير بمنهج دولة لها امتداداتها في الداخل والخارج، وتعمل بمفردات القانون الدولي، لا فقط شعارات الثورة.
من هنا، تبدو تهمة “الارتباط بأجهزة استخباراتية” أو “الارتهان للخارج”، نوعًا من التحليل السطحي، القائم على رؤية حزبية تقليدية، لم تدرك بعد أن الحزب تجاوز منذ زمن هذا التصنيف، ما لا يقرأه بعض الكورد، تدركه بعمق الدول الكبرى، وتركيا نفسها، والدليل، التناقض الفاضح ما بين خطاب أردوغان وأفعاله.
فمن جهة، يعلن أن تركيا “ستتخلّص من الإرهاب”، في خطاب موجّه لاحتواء الرأي العام التركي، المحتقن منذ عقود بفكرة أن “تركيا تحارب الإرهاب لا الكورد”، ومن جهة أخرى، لا يتردد في الجلوس على طاولة مفاوضات غير معلنة مع قيادة الحركة الكوردية، بل ويستقبل وفود حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، التي زارت السيد عبدالله أوجلان، كما رأينا سابقًا، ليجتمعوا بعد يومين مع رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان، وبحضور مسؤولين رفيعين من الدولة وحزب العدالة والتنمية، وكأننا أمام حوار بين “رأسين” لا بين دولة وحزب.
وهنا، علينا نحن الكورد، سواء كنا مؤيدين أو مختلفين مع حزب العمال الكوردستاني، أن نحلل هذا المشهد الواسع لا بعاطفة، بل بأفق استراتيجي، لا يكفي أن نسأل، هل أُلقي السلاح؟ بل يجب أن نسأل، إلى أين يتجه النضال؟ وما هو الشكل الأمثل للكفاح الكوردي في ظل منظومة دولية تتغير، والدول المحتلة لكوردستان التي تتعفّن من الداخل؟
إن الانتقال من النضال المسلح إلى السياسي، لا يعني الانسحاب، بل الدخول إلى ميدان جديد، أكثر تعقيدًا، وأشد خطورة، فالنظام التركي، الذي يملك قوة عسكرية تعادل اكبر الدول الأوروبية، يراوغ ببراعة في الحروب، سيجد نفسه في مواجهة أكثر صعوبة حين يُجبر على خوض معركة الكلمة والحق أمام مؤسسات دولية، وضمائر حية، وسردية كوردية، رغم ضعفها وكثرة الأعداء، وشبه انعدام للدول التي مصالحها تتقاطع مع مصالح القضية الكوردية، متماسكة تعرّيه أمام العالم، لا مبالغة في القول إن معركة السلاح، بقدر ما كانت دامية، فإن معركة الخطاب السياسي ستكون أكثر كلفة له.
وأرجّح، من خلال قراءة تطورات المشهد، أن حزب العمال الكوردستاني، بجميع منظماته، قد بدأ فعليًا ببناء رصيد جديد من التعاطف والدعم الدولي، خاصة مع اتضاح الوجه الفاشي للنظام التركي، وتزايد الانتقادات الغربية لسياساته القمعية ضد الكورد والمعارضين، وهنا، يتبدى وجه تركيا الحقيقي، كما لم يكن ممكنًا سابقًا في زمن الحرب وحدها.
لهذا، يجب ألا يُنظر إلى هذا التحول كتنازل، بل كذكاء استراتيجي، وإعادة تموضع، ونضج سياسي، يفرض علينا، نحن أبناء هذه القضية، أن نواكب هذا التحوّل بالتحليل، لا بالتشنج، وبالوعي، لا بالانقسام.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
11/7/2025
لماذا نضال حزب العمال الكوردستاني بيد اردوغان؟…ننحني باجلال للمرأة الكوردية ،لأنها ذهبت إلى الجبال لتحرير كوردستان،وهذا ليس مجال مناقشة .لكن من ارسلها؟..ومن بلغ اشباعا من حزب العمال الكوردستاني غير الطورانية التركية، واعداء كوردستان في أجزاء كوردستان الاخرى…مهلا ايها الكورد…السياسة لم تعد ترسم في الدوائر الشوفينية اعداء الكورد، انها ترسم في أماكن للكورد أصدقاء مخلصين…واعداء الكورد ادركوا ذالك ومنهم أردوغان…وخوفا من استغلالها ضدهم حلوها…
ر