إلقاء السلاح في الهواء: بيان بلا ضمانات ومخاطر على مستقبل الكفاح الكوردي

ماهين شيخاني

 

المقدمة

منذ عقود، دأب الشعب الكوردي على خوض نضاله المشروع من أجل الحرية والعدالة والاعتراف القومي داخل دول لم تعترف يومًا بحقه الطبيعي في تقرير المصير. وعلى رأس هذه الدول تأتي تركيا، الدولة التي بنت بنيتها القومية على نفي الآخر، وفي مقدّمته الشعب الكوردي.

ولذلك، كلما أُعلن عن مبادرة سلام أو خطوة لنزع السلاح دون مقابل ملموس أو ضمانات سياسية حقيقية، يُطرح سؤال جوهري في الأوساط الكوردية:

هل نحن أمام بداية لحل..؟. أم أمام جولة جديدة من الخداع والتفكيك الرمزي للكفاح الكوردي..؟.

هذا ما يثيره البيان الأخير لما يُعرف بـ “مجموعة السلام والمجتمع الديمقراطي”، التي أعلنت اليوم، من محافظة السليمانية، إلقاء السلاح “استجابة لنداء القائد أوجلان”.

  1. بيان عاطفي في زمن سياسي معقّد

نبرة البيان تميل إلى العاطفة والرمزية أكثر من كونها موقفًا سياسيًا دقيقًا يستند إلى ضمانات حقيقية.

إذ يقول البيان:

“ندمج نيتنا الطيبة من خلال تدمير أسلحتنا في هذه اللحظة التاريخية.”

لكن هل تُبنى العمليات السياسية الكبرى على “النية الطيبة” فقط..؟. وهل هذا التدمير الرمزي للسلاح جاء في إطار اتفاق متبادل مع الدولة التركية..؟.

الواقع يُجيب بالنفي.

  1. لا ضمانات… ولا شريك تفاوضي جاد

غياب أي رد رسمي تركي، أو حتى تلميح إيجابي من أنقرة بشأن احترام الخطوة أو الرد عليها بخطوة مقابلة، يجعل هذه المبادرة أحادية الجانب. وهذا يطرح خطرًا حقيقيًا على النضال السياسي الكوردي، لأنه يعطي الدولة التركية فرصة جديدة لنزع الشرعية عن الحراك الكوردي بذريعة “أن السلاح لم يعد موجودًا”، دون أن تُقدّم بالمقابل أي تنازل.

بل إن التجربة الكوردية في تركيا، من 1999 إلى 2015، تؤكد أن كل خطوات التهدئة الكوردية لم تُقابل إلا بالمزيد من الاعتقالات، وحظر الأحزاب، وتوسيع آلة القمع.

فما الذي يجعلنا نعتقد أن المشهد سيتغير الآن..؟.

  1. تجاهل لمصير آلاف المعتقلين الكورد

لم يأتِ البيان على ذكر عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين الكورد في السجون التركية.

أين عبد الله أوجلان نفسه..؟.

هل أُعيد فتح أي قناة تفاوض معه..؟.

أم أن اسمه يُستخدم اليوم كغطاء رمزي لتحرك لا يملك لا التمثيل الشعبي ولا التأثير السياسي..؟.

من دون استراتيجية شاملة تشمل ملف المعتقلين، والحقوق الثقافية، والتمثيل السياسي، فإن أي مبادرة للسلام ستبقى ناقصة، بل وخطرة، لأنها تُفرّغ الكفاح من معناه دون أن تمنح الشعب أي ضمان لمستقبله.

  1. خطر تفكيك الكفاح الكوردي باسم “السلام”

إن الكفاح الكوردي في تركيا لا يعتمد فقط على البندقية، بل على منظومة متكاملة من الوعي القومي، والعمل السياسي، والتمسك بالهوية.

لكن حين يُفهم “السلام” بأنه خضوع للأمر الواقع، أو تنازل دون مقابل، أو حرقٌ لآخر أوراق الضغط بيد الطرف الكوردي، فإننا لا نكون أمام “سلام”، بل أمام نسخة جديدة من الاستسلام الرمزي.

وهذا ما يجعل كثيرين في الداخل الكوردي – حتى من أنصار الحل السياسي – يتوجسون من هذا النوع من البيانات التي لا تُبنى على مشروع واضح، ولا يسبقها حوار، ولا يحميها أي طرف دولي.

  1. ما المطلوب إذن..؟.

إن أي مبادرة تُطرح باسم “السلام” أو “الدمج الديمقراطي” يجب أن ترتكز على ما يلي:

وجود خارطة طريق واضحة ومكتوبة بين الطرفين (وليس من طرف واحد فقط).

وجود ضمانات دولية – أممية أو أوروبية – تكون شاهدًا وضامنًا لأي عملية تفاوض.

بدء فوري بإجراءات بناء الثقة، مثل: إطلاق سراح المعتقلين، رفع الحظر عن الأحزاب، الاعتراف بحقوق اللغة والتعليم.

وحدة الموقف الكوردي السياسي في تركيا، بدلًا من تشتت مبادرات فردية لا تملك إجماعًا شعبيًا.

الخاتمة

إن الكورد ليسوا دعاة حرب، بل ضحايا تاريخية للحروب التي فُرضت عليهم. لكن السلام لا يُمنح، بل يُنتزع ضمن معادلات متوازنة.

أما التخلّي عن أدوات النضال دون مقابل، فهو ليس سلامًا، بل إفراغ خطير للقضية من مضمونها.

ونحن، إذ نحترم كل صوت يدعو للسلام العادل، نُجدّد التأكيد أن أي “سلاح يُلقى في الهواء” دون أن تمسك به يد سياسية حقيقية، سيضيع… كما ضاعت قبله الكثير من الفرص.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…