دلدار بدرخان
اقرأوا بعناية الشطر الأخير من تصريحات توم باراك حول الفيدرالية، فالكلام يحتمل عدة تأويلات، ولا يخلو من الغموض المقصود.
يقول باراك:
ما تعلمناه في كل هذه الدول هو أن الفيدرالية لا تنجح، فلا يمكنك أن تملك كيانات مستقلة ليست دولاً داخل دولة واحدة”
ثم يضيف: “هذا يحتاج إلى وقت كي يتأقلم الجميع “
ويتابع:
“خاصة بعد كل تلك السنوات من النشاط الرهيب، فالأمر يحتاج إلى وقت للتكيف، ولكن الوقت بدأ ينفد، والعالم يتحرك بسرعة “
ما الذي يمكن أن نفهمه من هذا التصريح؟
من الواضح أن كلام باراك مليء بالإيحاءات والتناقضات المقصودة، وهو يفتح المجال لتأويلات متعددة، خصوصاً حين يُطرح في سياق سياسي معقد كالوضع السوري، فالقول إن “الفيدرالية لا تنجح” يتناقض جزئياً مع الإقرار بأن “الوقت يحتاج إلى تأقلم” ثم التأكيد أن “الوقت ينفد” هذه الصيغة تحمل رسائل مبطنة.
أولاً: يبدو أن باراك لا يرفض فكرة اللامركزية أو الفيدرالية من حيث المبدأ، وإنما يشير إلى صعوبة تطبيقها في بيئة مشحونة بالإرث الصراعي والتفكك المؤسسي، وهو لا ينفي الحاجة إلى نمط حكم جديد، بل يشكك في نجاعة النموذج التقليدي للفيدرالية المعروف في الدول المستقرة.
ثانياً: العبارة المفتاحية في حديثه هي أن “الوقت بدأ ينفد والعالم يتحرك بسرعة”
هذه بمثابة تحذير مبطن ، فالتباطؤ في معالجة ملف إدارة الدولة وشكل الحكم قد يؤدي إلى فقدان زمام المبادرة لصالح قوى أخرى على الأرض، أو لتكريس أمر واقع يصعب تغييره لاحقاً، وهنا تكمن الرسالة الضمنية إلى الأطراف كافة، إما التكيف والتوافق على صيغة مرنة لإدارة البلاد، أو مواجهة واقع يتشكل بسرعة خارج نطاق السيطرة.
الخلاصة: إن الفيدرالية أو بشكل أدق اللامركزية الموسعة لا تعني الانفصال كما يروج له اليعض، وإنما يمكن أن تكون مخرجاً عقلانياً للحفاظ على وحدة الدولة السورية، مع الاعتراف بالتنوع القومي والثقافي والإداري داخلها، وهذا يتقاطع مع تصريح باراك حين يشدد على فكرة “دولة واحدة وحكومة واحدة” و لكن بطريقة واقعية تراعي تعقيدات الأرض ، لا بطريقة مركزية جامدة أثبتت فشلها.
لذلك لا ينبغي قراءة تصريح توم باراك على أنه رفض مطلق للفيدرالية، وانما كتحذير من إساءة فهمها أو تطبيقها بشكل متسرع أو مجتزأ، وهو ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية.