بين الظلام والتطرّف… الفدرالية هي الضوء الأخير.

ياسر بادلي
بعد التصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكي حول استحالة الفدرالية في سوريا، نقولها بكل وضوح: هذه وجهة نظركم، ونحترمها شكليًا فقط. لكنها لا تمثلنا، ولا تمس حتى أطراف وجداننا. أن تصدر مثل هذه التصريحات من ممثل لدولة بُنيت على الفدرالية نفسها، فذاك قمة المفارقة وسخرية القدر.
أما بالنسبة للشعب الكُردي، فالفدرالية ليست رغبة، بل قَسَم، وهي ليست ترفًا سياسيًا، بل خلاصة كفاح طويل ودماء غزيرة، سالت على تراب وطن لم يُعترف به بعد. الفدرالية بالنسبة لنا ليست مجرد نظام، بل طوق نجاة في بحر لا يرحم الأقليات، ومفتاح لباب العدالة بعد سنين من الجحيم.
لطالما ردد السوريون شعارات الحرية والكرامة، لكن ماذا بقي من تلك الشعارات بعد 14 عامًا؟ سقط القناع، وظهر الوجه الحقيقي لكثيرين: وجه متطرف، ظلامي، لا يختلف عن وجه الدكتاتورية التي ثاروا عليها. عادوا يهتفون بالأمة الواحدة، والحزب الواحد، والرئيس الواحد، كأنهم لم يغادروا سجن العقل القديم. كأن الثورة كانت مجرد مسرحية أُعيد فيها إخراج نفس الكابوس.
في زمن الهارب ، كانت الكلمة سجنًا.
وفي زمن الجولاني، باتت الرصاصة هي الإجابة.
فهل هذا هو الوطن الذي نريده؟
وإذا عدنا للتاريخ، نجد أن القوى الغربية استخدمت الإسلام المتطرف في أفغانستان كأداة لتكسير النفوذ السوفيتي، وها هم اليوم يكررون المسرحية في سوريا. دعموا المتطرفين السنّة، لا حبًا بهم، بل لإفشال أي مشروع لا يخدم مصالحهم. وهؤلاء المتطرفون لم يوفّروا أحدًا: قتلوا العلويين، دمّروا الكنائس، هدّدوا وجود الدروز، ووجّهوا خناجرهم نحو الكُرد.
الشعب الكُردي الآن أمام مفترق خطير. لم يعد هناك متّسع للانتظار، ولا وقت للمجاملات. التهديدات الإسلامية المتطرفة، والانقسامات الداخلية، والتواطؤ الدولي، كلها عوامل تستدعي رص الصفوف وتوحيد القرار. لا مكان بعد اليوم للذهاب إلى دمشق فرادى. إن ذهبنا، فلنذهب بصوت واحد، بقرار واحد، منبثق من “كونفراس قامشلو”، من رحم الشعب، لا من حسابات الطاولات الخلفية.
وعلينا أن ندرك حقيقة جوهرية: لا مرجعية أقرب إلينا من المرجعية الكُردية التاريخية، الرئيس مسعود بارزاني. هو ليس فقط رمزًا، بل صمّام أمان لكل قرار مصيري، وحائط صدّ في وجه المخاطر الداهمة. الرجوع إليه اليوم ليس خيارًا تكتيكيًا، بل ضرورة وجودية.
نحن لا نطلب المستحيل، بل نطالب بحق ناضلنا من أجله عقودًا.
ونقولها بصوت عالٍ: إذا الشعب أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر.
لكن القدر لا يستجيب لمن يعيش كسمكة سردين في علبة الصمت، بل لمن يصرخ، ويقاوم، ويتوحّد.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، علينا أن نختار:
إما أن نكون شظايا في مهبّ الريح،
أو أن نصبح صخرة تصطدم بها كل الرياح.
الخلاص لن يأتي إلا بالتوحّد، والرجوع إلى المرجعية الكُردية، ورفع راية القرار المستقل، المصنوع في جبال كردستان، لا في دهاليز العواصم الرمادية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…