كوردستان بين مطرقة الجغرافيا وسندان المصالح الدولية

علي ملا

 

لا تزال قضية كوردستان واحدة من أعقد القضايا القومية غير المحلولة في الشرق الأوسط، ليس بسبب غياب العدالة أو نقص الإرادة الشعبية، بل بسبب التشابك العميق بين الجغرافيا السياسية والمصالح الإقليمية والدولية التي تعيق أي تقدم فعلي نحو حق تقرير المصير.

على مدار قرن من الزمن، وُضعت الجغرافيا الكوردية في خدمة صراعات الآخرين، وغُيّبت الهوية الكوردية عن خرائط القرار الدولي. وبدلًا من أن تكون كوردستان عنصر استقرار في المنطقة، صارت مادة للمساومة بين أنظمة تخشى أي صحوة قومية قد تهدد بنيانها المهترئ.

في العراق، رغم المكاسب التي حققها إقليم كوردستان بعد 2003، فإن العلاقة مع بغداد ظلت محكومة بعقلية المركز والتهميش، وآخر تجلياتها قطع رواتب الموظفين وحصار اقتصادي ممنهج. أما في سوريا، فلا تزال المناطق الكوردية تعاني من غياب حل سياسي مستدام، وسط توازنات دولية تحول دون الاعتراف بأي صيغة حكم ذاتي فعلي، رغم تضحيات أبناء المنطقة في مواجهة الإرهاب.

إيران وتركيا، الجارتان اللتان تمتدان عميقًا داخل النسيج الكوردي، تنظران إلى أي تطلع كوردستاني على أنه تهديد وجودي، وتتحركان بكل ثقلهما العسكري والدبلوماسي لإجهاض أي مبادرة كوردية، حتى ولو كانت حقوقًا ثقافية أو إدارية مشروعة. ومع غياب موقف دولي حاسم، تبقى كوردستان في موقع الدفاع عن ذاتها.

إن التحدي اليوم ليس فقط في السعي نحو الاستقلال أو الحكم الذاتي، بل في بناء مشروع كوردستاني موحد يضع مصلحة الشعب فوق الحسابات الحزبية والجهوية، ويعتمد الواقعية السياسية دون التنازل عن المبادئ القومية.

كما أن على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والسياسية تجاه أمة يزيد تعدادها عن أربعين مليون إنسان، حُرموا من دولتهم بسبب اتفاقات سايكس-بيكو وظلوا حتى اليوم رهائن لتوازنات إقليمية غير عادلة.

خاتمة:

كوردستان ليست تهديدًا لأحد، بل فرصة للاستقرار والتنمية إذا ما أُعطي شعبها الحق في تقرير مصيره بحرية. فالأمن لا يُبنى على القمع، والسلام لا يُصنع على أنقاض الشعوب، والتاريخ لا يرحم من يقف في وجه الحق

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…