ماهين شيخاني
في لحظة سياسية تزداد فيها التحديات الأمنية على امتداد جغرافيا “كوردستان المقسّمة”، جاءت تغريدة الدكتور وليد فارس، المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، لتثير نقاشًا لافتًا حول مستقبل الكورد، ومكانتهم ضمن معادلات الأمن الإقليمي والدولي.
فدعوة فارس إلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والبيشمركة، لم تكن مجرد موقف إعلامي عابر، بل تنطوي على دلالات استراتيجية وإشارات لا يمكن تجاهلها، خاصة في ظل التغييرات المتسارعة على الأرض، والتبدلات في ميزان القوى بعد الحرب على داعش.
الكورد… القوة التي يُعوَّل عليها ميدانيًا ويُستبعد صوتها سياسيًا
منذ بدايات الأزمة السورية، برزت قوات سوريا الديمقراطية كلاعب رئيسي في محاربة الإرهاب، وامتد تأثيرها من شرق الفرات حتى الحدود العراقية. أما البيشمركة، فكانت وما زالت القوة الأكثر تنظيمًا واحترامًا دوليًا في محاربة داعش داخل الأراضي العراقية، وخصوصًا في كركوك وسنجار ومخمور.
ورغم الدور الكبير الذي لعبه الطرفان في دحر التنظيمات الجهادية، ظلَّ الكرد في الهامش السياسي، غالبًا ما يُكافأون بـالخذلان، أو يُتركون وحدهم في وجه الضغوط الإقليمية، كما حدث في سري كانيه (رأس العين) وعفرين، أو في التعامل البارد مع الاستفتاء الكوردي في العراق عام 2017.
هل آن أوان اتفاقية الدفاع المشترك..؟.
تغريدة فارس حملت مضمونًا واضحًا:
“البيشمركة وقسد يجب أن تتحدّا في اتفاقية دفاع مشترك لمواجهة التهديدات الجهادية العابرة للحدود”.
وهذا الطرح يُشكّل فرصة تاريخية أمام الكورد لتجاوز الانقسام الجغرافي والحزبي، والانطلاق نحو بناء رؤية دفاعية موحدة، قادرة على حماية المناطق الكوردية من تهديدات لم تعد محلية فقط، بل أصبحت عابرة للحدود بدعم إقليمي معروف.
لماذا هذه الاتفاقية ضرورية الآن..؟.
تصاعد التهديدات الجهادية مجددًا، خصوصًا في البادية السورية ومحيط دير الزور وشمال العراق.
الفراغ الأمني الناتج عن الانسحاب الأميركي التدريجي، والمناورة الروسية والتركية في الملف السوري.
تواطؤ بعض الأطراف المحلية والإقليمية في ضرب أي كيان كوردي مستقل أو شبه مستقل.
تراجع الثقة الشعبية في المشاريع الوطنية المركزية، والتي فشلت تاريخيًا في الاعتراف بحقوق الكورد.
ربما كانت الجملة الأكثر إثارة للجدل في تصريح فارس هي قوله:
“إذا كان البعض يسعى لإلغاء ترتيبات سايكس بيكو، فلتبدأ عملية جديدة لترسيم الحدود بشكل قانوني وعادل”.
هذه العبارة تمثل تلميحًا نادرًا من شخصية قريبة من مراكز القرار الأميركي، إلى إمكان إعادة النظر في الخرائط التي رسمها الاستعمار القديم قبل قرن، والتي قسمّت كوردستان إلى أربع دول.
ورغم أن هذا الطرح لا يزال مبكرًا، فإن مجرد طرحه في هذا التوقيت يُعزز القناعة بأن الواقع الكوردي لم يعد ملفًا داخليًا، بل تحول إلى عنصر فاعل في كل معادلة تخص شرق المتوسط.
هل الكرد جاهزون؟ أم أن الانقسام يُضعف الفرص..؟.
هنا يكمن التحدي الحقيقي. فالكورد – رغم تضحياتهم ووحدتهم المجتمعية – لا يزالون منقسمين سياسيًا، وتمنعهم الحسابات الحزبية الضيقة من تشكيل جبهة موحدة.
لكن في ضوء هذا التصريح، قد يكون الوقت قد حان لكسر الجليد، والجلوس إلى طاولة قومية، تعيد ترتيب البيت الداخلي، وتؤسس لاتفاقية دفاع مشترك، لا على أساس المزاج الحزبي، بل على أساس الضرورة الوطنية والقومية.
إقليم كوردستان… تجربة يمكن الاستفادة منها
تجربة إقليم كوردستان في العراق، رغم كل الملاحظات، تبقى نموذجًا حيًا على أن الأولوية للقومية لم تكن على حساب الشراكة الوطنية، بل العكس.
فقد تمكن الإقليم من تحقيق شراكة حقيقية مع العراق بعد عقود من التهميش والدماء، دون أن يتخلى عن هويته القومية.
ولعلّ أهم ما أنجزه الإقليم هو بناء مؤسسة بيشمركة محترفة، وتثبيت إدارة ذاتية تُحاور الدولة لا تتبعها.
خاتمة: هل نملك الإرادة السياسية..؟.
التاريخ لا ينتظر المترددين.
والجغرافيا لا ترحم الشعوب المقسّمة.
دعوة فارس قد لا تتحول إلى واقع غدًا، لكنها جرس إنذار أخير للوكرد في سوريا والعراق، بأن توحيد الجهود بات ضرورة وجودية، لا خيارًا سياسيًا.
فلنحوّل هذه الفرصة إلى نقطة بداية:
لبناء قوة كوردية موحدة.
لوضع رؤية أمنية مشتركة.
للدفاع عن شعب يستحق الحياة… والحرية.