من دفتر يومياتي: عندما منع حافظ الأسد احتفالية معركة حطين

صلاح بدرالدين

 

   في أواخر الثمانينات قبل حلول الذكرى السنوية  لمعركة – حطين –بنحو أسبوعين كنت في زيارة للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حيث كان يقيم بتونس ، وكنت التقي به ، وبالقيادة الفلسطينية بشكل دوري كنوع من التنسيق السياسي الكردي الفلسطيني ، وحينها علمت من وسائل الاعلام ان مركز للأبحاث بجامعة – حيفا – الإسرائيلية سيعقد ندوة علمية حول معاني انتصار صلاح الدين الايوبي على قادة الحملة الصليبية ، وهزيمتهم في معركة حطين الفاصلة التي وقعت في الرابع من تموز  – يوليو – ” أي قبل يومين ”  عام ١١٨٧.

  وفي يوم اللقاء ناقشت مع الأخ ابوعمار الى جانب المسائل الأخرى موضوع ذكرى معركة حطين ، وضرورة وواجب ان يكون الفلسطينييون أولى باحياء هذه الذكري ، خاصة بماتتميز  منظمة التحرير الفلسطينية من موقع مرموق على الصعيدين العربي والإسلامي وفي وضع ليس بمقدور الكرد القيام بهذا الواجب في جميع دول تو اجدهم.

  للامانة التاريخية التقط الراحل عرفات الموضوع بجدية ملحوظة ، ووافقني الراى حول القيام بعمل ما تجاه المناسبة ، وابدى رايه بالقول : ساحاول ان تقوم جامعة الدول العربية بهذا الواجب ، وتحيي المناسبة بشكل لائق ، وكنت قدمت له مشروعا او مقترحا بعقد مؤتمر علمي وبمشاركة كردية أيضا ، وأضاف : غدا ساستدعي الأمين العام للجامعة للتحدث معه بهذا الشأن ، وكما هو معلوم كان مقر الجامعة وقتذاك في تونس ، وكان الجزائري الأخضر الابراهيمي امينها العام يقيم بتونس أيضا ، وصديق مقرب للفلسطينيين.

  بعد نحو عشرة أيام التقيت مجددا بالراحل ، ولاحظته منزعجا ثم فاتحني بالموضوع قائلا : التقيت بالأمين العام لجامعة الدول العربية السيد الأخضر الابراهيمي وأوضحت له المسالة بكل تفاصيلها ، ووافق على الفور وكان متحمسا ، وابلغني بضرورة مفاتحة الرئيس السوري حافظ الأسد ، لان صلاح الدين كان بدمشق ، ويرقد هناك أيضا ، ثم توجه الى العاصمة السورية وابلغ الأسد ، وطلب منه التعاون ، واقترح عليه ان تقام المناسبة بدمشق ، فكان جواب الأسد السلبي صاعقا ، حيث قال للابراهيمي كما نقله هو الى أبو عمار ” أولا ليس لسوريا إمكانيات مادية لاحياء المناسبة ، ثانيا وماعلاقتنا بصلاح الدين فهو كردي وليس عربيا “.

  طلبت من الراحل ان تقوم منظمة التحرير بالاشراف على احياء المناسبة على شكل مؤتمر علمي مصغر ، بمشاركة عربية وكردية ، لم يعترض على مقترحي ولكنني فهمت انه يعتقد ان المنظمة آنذاك لم تكن بخير مع الدول العربية ، وستحصل مقاطعة وهو لايريد حصول ذلك بتلك المناسبة الهامة.

  اقتصر احياء الذكرى – الثمانمائة – لمعركة حطين على جامعة حيفا بإسرائيل فقط.، وقد حصلت فيما بعد ومن خلال – الميديا – على بعض البحوث والدراسات التي تليت ونوقشت في ندوة جامعة حيفا ، وكانت تدور حول مزايا القائد صلاح الدين الايوبي ، من شجاعة وفروسية ، الى جانب التسامح ، وتعامله العادل مع كل الأديان والمكونات ، وعدم التفريق بسبب العقيدة ، والعرق ، والاختلاف الثقافي ، وفي جانب آخر تضمنت الأبحاث التكتيك العسكري الناجح لصلاح الدين في قدرته على الانتصار بحطين رغم اختلال موازين القوى البشرية واللجستية لمصلحة اعدائه.

  سيرة البطل الكردي صلاح الدين الايوبي ، وانتصاراته ، انتشرت في أوروبا وامريكا بشكل واسع ، وكتب عنه العشرات من الكتاب المرموقين ، ومن الواضح ان تسامحه ، وعدالته ، في بيئة متعددة الأديان والعقائد والاعراق تواجه حروب الإبادة بتدخلات خارجية ، وغزوات باسم الدين ، قد استحوذ نظر الجميع ، ونال اعجابهم.

  بالنسبة لنا نحن الكرد من حقنا الاعتزاز بسيرة هذا البطل ومزاياه الذي ضرب مثلا على الصعيدين المحلي والعالمي ، ونحن على يقين بان الرجل لم ينشأ في مرحلة تبلور الوعي القومي ، ولم يكن بصدد تشكيل دولة قومية ، ظهر مع عمه – شيركو – قلب الأسد في لحظة تاريخية كان الدين هو الفاصل ، والتصدي للغزوات باسم الصليب ، وضد المسلمين هو الواجب الوحيد ، وتوحيد كلمة المسلمين بالمنطقة هو المخرج ، علينا نحن الكرد ان نستمد من دوره الرائد في المنطقة قبل اكثر من ثمانمائة عام القوة ، واننا لسنا غرباء ، وأجانب بل أصحاب الأرض ، وجذورنا ممتدة لقرون مع شركائنا الاخرين من شعوب المنطقة ، وقدرنا ان نتشارك ، ونتعاون ، ونكون سواسية في الحقوق والواجبات على قاعدة مبادئ صلاح الدين في التسامح ، والاعتراف المتبادل ، وقبول البعض الاخر.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…