علي شمدين
إن من أسوأ الظواهر التي عانت منها أطراف الحركة الكردية في سوريا ومنذ تأسيسها عام (١٩٥٧)، هي ظاهرة انشقاق صفوفها وتشتت خطابها السياسي والإعلامي الذي ظل حتى وقت قريب جداً حبيس الدائرة الحزبية الضيقة، ورهين دوامة المزاودات والشعارات العقيمة (الطبقية والكردستانية)، بدلاً من أن يتم توجيه هذا الخطاب نحو الدائرة الوطنية بمختلف مكوناتها، ويخاطب الرأي العام السوري بصوت واضح ومفهوم وبمضون واقعي يوازن بين البعدين القومي والوطني لقضيته القومية التي أثبتت التجربة استحالة حلها بمعزل عن القضايا الوطنية الأخرى، فظلت أبواب الساحة الوطنية مفتوحة على مصراعيها أمام أبواق النظام لبث خطابه الشوفيني الذي أبدعت تلك الأبواق في فبركته ونسجه ضد الشعب الكردي في سوريا.
ومن هنا، لابدّ من الإعتراف بداية بأن أطراف الحركة الكردية في سوريا، وإن بدرجات متفاوتة، كانت ولاتزال تتحمل جانباً هاماً من هذه المسؤولية التاريخية، مسؤولية تراكم هذه الصورة السلبية عن الكرد في ذهن الرأيّ العام السوري (الرسمي، وغير الرسمي)، وعجزها عن نقل الصورة الحقيقية لقضيتها القومية إليه وفشلها في إقناعه بعدالتها، وذلك بسبب انقطاعها القاتل عن الوسط الوطني وغياب خطابها السياسي عن أذان مختلف القوى السياسية والثقافية السورية، وانشغالها بدلاً من ذلك بنشر المهاترات وإدارة الحروب الكلامية ضد بعضها البعض، ولا شك بأن النظام القمعي الاستبدادي كان له الدور الأهم في نشر هذه الظاهرة في الوسط الكردي، وقام بنفسه ببناء هذا الجدار السميك من القطيعة والعزلة بين الكرد وبين المكونات الوطنية الأخرى، ومحاولة صهرهم في البوتقة العربية من خلال اعتبارهم انفصاليين يسعون إلى بناء إسرائيل الثانية، وبأنهم يشكلون ورماً سرطانياً خطيراً ولا خيار سوى بتره واجتثاثه من جذوره.
لا يخفى بأن الحركة السياسية الكردية في سوريا، وباعتبارها أكثر تنظيماً بالمقارنة مع القوى الوطنية الأخرى، كانت سباقة في مناهضتها لنظام البعث الدكتاتوري الذي نكل طوال حكمه الأسود بالشعب الكردي أسوأ تنكيل، وسارعت إلى الإنخراط مبكراً في الاحتجاجات والمظاهرات الجماهيرية المطالبة بإسقاطه، ولهذا استبشر الكرد خيراً بسقوط النظام أوخر عام (٢٠٢٤)، على أمل أن تفتح أمامه الأبواب للمشاركة إلى جانب المكونات الوطنية الأخرى في بناء سوريا الجديدة التي يفترض لها أن تبنى وفقاً لنظام ديمقراطي تعددي لامركزي يخلو من القمع والظلم والاستبداد، ويقرّ دستورياً بوجود الشعب الكردي ويضمن له حقوقه القومية كثاني أكبر مكون وطني في البلاد.
إلّا أنه وبالرغم من مرور أكثر من نصف عام على تولي (هيئة تحرير الشام)، السلطة في البلاد، فقد بدأت تلك الآمال، وكما كان متوقعاً منذ البداية، تتلاشى يوماً بعد يوم وتتبخر بسبب الخطوات المتلاحقة التي أقدمت عليها الإدارة الجديدة بقيادة رئيسها المؤقت (أحمد الشرع)، هذه الخطوات التي كثفت سلطة الدولة والمجتمع في لون واحد، واحتكرتها في يد شخص الرئيس المؤقت، ولم تؤدِ هذه الخطوات فعلياً إلى ما كان يطمح إليه الشعب السوري عموماً، والكردي خصوصاً، وإنما أنتجت حكما مركزياً أكثر صرامة من الحكم البائد الذي ظل يقود الدولة والمجتمع بقبضة فولاذية لأكثر من نصف قرن من الزمن.
الحقيقة إننا نواجه اليوم، وبكل أسف، نظاماً لا يقرّ بمبدأ التعددية وإنما يعتبره تشتيتاً للشعب السوري وتمزيقاً لنسيجه الوطني، كما أنه يرفض الفيدرالية ويتهم المطالبين بها بالانفصالية والتواطؤ مع الخارج، وينبذ مطلب اللامركزية وينعت الداعين إليها بالمقسمين للوطن، ويحرم استخدام كلمة الديمقراطية في خطاباته السياسية تحت شعار (من يحرر يقرّر)، وأمام نظام كهذا باتت الأبواب شبه مغلقة أمام المشاركة الحقيقية في بناء سوريا الجديدة التي يطمح إليها عموم الشعب السوري، ولهذا فإنه يترتب على الحركة الكردية في سوريا أن تعود من حيث بدأت منذ ستة عقود، وأن تتجاوز تناقضاتها وتطوي خلافاتها وتنطلق بصوت واحد نحو التواصل من جديد مع الوسط الوطني بمختلف مكوناته، وفتح القنوات الصحيحة معها بهدف التعريف بعدالة قضيتها وكسب تضامنها، والاجتماع معاً حول القواسم الوطنية المشتركة التي تشكل نواة حقيقية لتحالف وطني شامل تشكل المكونات القومية والدينية والطائفية قوامه.
الحقيقة أننا لا نقول هذا من فراغ، وإنما هناك واقع يختلف عن الذي كانت تعيشه المكونات الوطنية الأصيلة في عهد البعث الذي نجح في تنفيذ سياسة (فرق تسد)، التي انتهجها بهدف تفريق المكونات وتحريضها بالترغيب والترهيب ضد المكون الكردي. ففي الوقت الذي حبست الإدارة الجديدة نفسها في ثوب حديدي ضيق إلى حد الخناق كانت قد نسجته برغبتها من الأفكار السلفية الجهادية الطاردة للمكونات القومية والدينية والطائفية الأخرى، فإن المكون الكردي في سوريا يمتلك اليوم، الكثير من أوراق القوة التي تمكنه من القيام بهذا الدور الوطني الجامع بين المكونات الأخرى، وهو أنه استطاع ولأول مرّة في تاريخه، أن يعقد كونفراسه القومي الجامع ليس للأطراف السياسية للحركة الكردية في سوريا فقط وإنما لممثلي مختلف الفعاليات الاجتماعية والثقافية والشخصيات الوطنية أيضاً، ويخرج برؤية سياسية مشتركة لحل القضية الكردية في سوريا، وأن يتمخض عنه تشكيل وفد مشترك للتفاوض وفقاً لهذه الرؤية مع الإدارة الجديدة ومع مختلف الجهات المعنية بهذا الشأن، هذا فضلاً عن بروز شخصية كاريزمية وهي الجنرال (مظلوم عبدي)، الذي نال ثقة أعضاء الكونفرانس الكردي، ونال ثقة الجهات الكردستانية الرئيسية التي حضرت الكونفرانس، ناهيك عن نيله ثقة التحالف الدولي في سوريا الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم (داعش)، وهو يقود بنفسه قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ويشرف على الإدارة الذاتية في شرق وشمال شرق سوريا التي تضم معظم الإنتاج السوري من الثروة النفطية والزراعية، إلى جانب امتلاكه شبكة واسعة من العلاقات الدولية والإقليمية والكردستانية التي تمكنه من أن يكون محوراً لهذا التحالف الوطني المنشود.
إذاً، ليس أمام الحركة الكردية في سوريا سوى استثمار هذه الأوراق بحكمة، والوقوف بقوة خلف الوفد الكردي الملتزم بالرؤية الكردية المشتركة لحل القضية الكردية في سوريا المنبثقة عن الكونفرانس الكردي المنعقد في القامشلي بتاريخ (٢٦ نيسان ٢٠٢٥)، والتوجه بخطاب واحد نحو الوسط الوطني ومحاولة استقطابه حول هذه الرؤية التي تعتمد اللامركزية نظاماً لبناء سوريا الجديدة التي لا بد لدستورها الجديد أن يضمن حقوق جميع المكونات القومية والدينية من دون استثناء وفي مقدمتها المكون الكردي الذي آن له أن يتمتع بكامل حقوقه القومية والوطنية.
مايخص الجنرال مظلوم ،كما أكدت ايضا،يجب ان يكون القاسم المشترك الاعظم لحركة الشعب الكوردي في غربه…هذا اولا .ثانيا :يجب ان لاتتحدث باستحياء ،فرنسا ،إسرائيل،امريكا أصدقاء حقيقيين ويجب بحدود الممكن إعلاميا ،والدعاية والسير في هذا الطريق.ثالثا : تركية الاردوغانية لاتزال العدو رقم واحد ومعهم ملالي قم،فضح العدوين بغض النظر عن تكلفته،وفقط يمكن رفع نسبة الثقة بهم بعقود واضحة،ومكشوفة ووجود طرف ثالث….