المجلس الوطني الكوردي: بين الرؤية والارتباك… مراجعة نقدية لموقعه في المشهد السوري

ماهين شيخاني

 

مدخل:

بعد أكثر من عقد على تأسيسه، يجد المجلس الوطني الكوردي نفسه اليوم في مفترق طرق حاسم. فمن كيانٍ بُني على آمال توحيد الصف الكوردي، إلى هيئة تُواجه اتهامات بالجمود والارتهان، تتصاعد الأسئلة حول جدوى استمراره بهذا الشكل. هذه المقالة محاولة جادة لقراءة تاريخه، واستخلاص ما تبقى من دوره، وما ينبغي تغييره.

 

بين البدايات الواعدة والانكفاء السياسي

حين وُلد المجلس الوطني الكوردي في سوريا عام 2011، اعتُبر تأسيسه خطوة تاريخية نحو تنظيم الموقف السياسي الكوردي في لحظة سورية مفصلية. شكل المجلس آنذاك إطارًا جامعًا لعدد من القوى السياسية والشخصيات المستقلة، وأعلن هدفه: الدفاع عن الحقوق القومية الكوردية في سوريا ديمقراطية موحدة.

 

وفي وقتٍ كان فيه الصراع السوري يتعقّد، قدّم المجلس خطابًا معتدلًا بين النظام السوري والتجربة الإدارية والعسكرية الصاعدة في شمال وشرق سوريا. كما منحه انخراطه في المعارضة السورية (الائتلاف الوطني تحديدًا) اعترافًا سياسيًا خارجيًا نسبيًا، أهّله لتمثيل الصوت الكوردي في محافل إقليمية ودولية.

 

التراجع البنيوي: ما الذي حصل..؟.

لكن المسار سرعان ما تبدّل. إذ بدأت تصدّعات سياسية وتنظيمية تُفقد المجلس وزنه تدريجيًا، حتى بات عالقًا في حالة جمود. ويمكن تلخيص أبرز التحديات التي واجهها فيما يلي:

 

  1. اختراقات داخلية وتحوّل الخطاب

دخل المجلس أفراد لم يحملوا مشروعًا سياسيًا حقيقيًا، بل سعت بعضهم لتحقيق مكاسب فردية على حساب الخطاب القومي، ما أفرغ المواقف من مضامينها.

 

  1. انعدام الرؤية الاستراتيجية

المجلس لم ينجح في بلورة موقف واضح تجاه أبرز الملفات: الإدارة الذاتية، الحوار الكوردي-الكوردي، العلاقة مع المعارضة، وحتى المكونات الأخرى في سوريا. بدا دائمًا متأخرًا عن الحدث.

 

  1. الارتهان الإقليمي

أصبحت توجهاته أكثر تقاطعًا مع سياسات إقليمية لا تُعير كثيرًا من الاعتراف بالحقوق القومية الكوردية، ما جعله يفقد استقلاليته كممثل حقيقي لجمهوره.

 

  1. انفصال عن الشارع

غابت القنوات الفعالة بين المجلس وقاعدته الشعبية، وتحول تدريجيًا إلى جسم نخبوي غير قادر على تمثيل نبض الناس أو استيعاب تطلعاتهم، خصوصًا فئة الشباب.

 

المطلوب: مراجعة جذرية، لا تجميلية

إذا ما أراد المجلس أن يستعيد شيئًا من فاعليته، فلا بد من اتخاذ خطوات حاسمة، أبرزها:

مراجعة نقدية شاملة تشمل خطابه السياسي وآليات قراره وتحالفاته.

تجديد الكادر القيادي عبر إبعاد الأسماء المستهلكة وإشراك شخصيات شابة وأكاديمية فاعلة.

الانفتاح على القواعد الشعبية وتحويل الجماهير من جمهور منتظر إلى جمهور مشارك.

مدّ الجسور لحوار وطني كوردي، بدل الاستمرار في القطيعة أو المواقف الرمادية.

توسيع شبكة التحالفات مع القوى الديمقراطية السورية لبناء مشروع وطني عابر للهويات الضيقة.

 

خلاصة: مستقبل المجلس رهن بقراراته لا بتاريخه

ليس في نية أحد إقصاء المجلس الوطني الكوردي من المشهد، لكنه إن استمر في صيغته الحالية، فسيبقى عنوانًا فارغًا، يفتقر إلى التأثير والمصداقية. الكرة في ملعبه، والخيار بين التجديد أو التلاشي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف إذ كان يمكن لشرنقة الصمت أن تكون أكثر أمنًا، وانفتاحاً على تحقيق المكاسب، وإذا كان للتأني أن يترجم حكمة، وللموقف أن يُرجأ باسم الواقعية، فإنني اخترت أن أضع اسمي حيث يتقاطع الخطر مع الانحياز. إذ لم تكن المغامرة بحثًا عن بطولة، بل اضطرارًا داخليًا، غريزيًا، لأن أقول “أنا” حين يُمسّ الضعيف. وكلما صار القول مكلفًا، قلتَه أكثر، لاسيما…

خالد بهلوي يُعدّ اختيار الكفاءات من أبرز العوامل التي تُسهم في تقدّم المجتمع ونجاح مؤسساته، إذا تم الاختيار ضمن مناخ ديمقراطي يتيح انتخابات حرّة ونزيهة، تُفرز عندها قيادات مسؤولة أمام الشعب، وتخضع للمساءلة القانونية في حال ارتكابها أخطاء مالية أو إدارية، أو في حال إهمالها قضايا وهموم من انتخبوها. عندما يُنتخب المسؤول من قبل الشعب، يجب عليه أن يعمل…

عبد الجابر حبيب في الأيام الأخيرة، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو يُظهر عناصر من الجيش السوري يقومون بإهانة شيخ طاعن في السن، بحلق شاربه على الملأ، في صورة تجسّد انحطاطاً أخلاقياً صارخاً، وعنفاً رمزياً مؤلماً يتجاوز الفعل ذاته. هذا المشهد ليس مجرد انتهاك فردي، بل تمثيل فجّ لطريقة تفكير أمنية ترى في الكرامة الشخصية سلاحاً يجب كسره، وفي رموز…

إبراهيم اليوسف تأسيسًا على المسار الطويل لإفناء الهوية الدرزية، لا يبدو أن المسألة متعلقة بحادثة أو خلاف طارئ، بل ها نحن أمام صفحة جديدة من كتاب ممدود بالحقد، تُضاف إليه في كل عقد ورقة نار. حيث لم يكن التاريخ الدرزي سلسلة من الانعزال عبثًا، بل ثمرة جراح طاردت هذا المكوّن منذ القرن الحادي عشر، فألجأته إلى قلاع الجبل ومخازن الصمت،…