خالد بهلوي
تُعدّ الحروب من أكثر الظواهر تدميرًا، حيث لا تقتصر آثارها على ساحة المعركة أو على الأطراف المتحاربة، بل تؤثّر على حياة الشعوب، واقتصادها، ومستقبلها، وتخلّف وراءها آثارًا عميقة قد تستمر لعقود من الزمن لإعادة البناء بعد توقف القتال.
أكثر أضرار الحروب فتكًا هي الخسائر البشرية؛ فالحروب تحصد أرواح الملايين من المدنيين والعسكريين على حد سواء. وغالبًا ما يكون المدنيون، وخصوصًا النساء والأطفال، هم الأكثر تضررًا من النزاعات المسلحة بسبب القصف العشوائي، وتفاقم المجاعات، وانتشار الأمراض في ظل غياب الأمن والخدمات الأساسية.
كما تؤدي الحروب إلى تهجير الملايين، حيث يُرغم الناس على مغادرة بيوتهم إلى دول أخرى بحثًا عن الأمان ومستقبل أفضل لأطفالهم.
وتُحدث الحروب انقسامًا في النسيج الاجتماعي، حيث تنقسم المجتمعات إلى فئات وطوائف متنازعة، وتنهار الثقة بين أفراد الشعب، وأحيانًا حتى داخل الأسرة الواحدة. كما تزداد معدلات الجريمة والانحراف، وحتى التسول، نتيجة الفقر والبطالة وانعدام الاستقرار.
وتؤثّر الحروب أيضًا على التعليم، إذ تُغلق المدارس أو تُدمّر، ويُحرَم الأطفال من حقهم في التعلم، مما يؤدي إلى نشوء جيل يعاني من الجهل ويواجه صعوبات كبيرة في بناء مستقبل أفضل.
كما تدمّر الحروب البُنى التحتية من طرق ومستشفيات وشبكات الكهرباء والمياه، ما يؤدي إلى ضعف في الاقتصاد، وانخفاض مستويات الإنتاج، وانهيار قيمة العملة أمام العملات الصعبة، وتزايد معدلات الفقر والبطالة.
ولا تقل الآثار النفسية للحروب خطورة عن الأضرار المادية، إذ يعاني كثير من الناس، وخاصة النساء والأطفال، من اضطرابات ما بعد الصدمة، مثل القلق، والاكتئاب، والخوف من المجهول، والشعور المستمر بعدم الأمان.
من أغرب ما يميز الحروب الحديثة هو دعوة الدول المجاورة والدول الكبرى الأطراف المتحاربة إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وخفض التصعيد، في حين تُعلن الأمم المتحدة عن قلقها من تصاعد العنف. ويخرج أحدهم ليصرّح بأنه يتعرّض لحرب “غير قانونية”، وكأن الحروب تجري وفق قوانين ومعايير دولية إنسانية!
جميع الحروب تنتهي في النهاية بالتفاوض والحوار، رغم مآسيها وآثارها المدمّرة على جميع نواحي الحياة. وغالبًا ما يعلن كل طرف أنه حقق أهدافه، لكن الحقيقة أن جميع الأطراف خاسرة، فلا رابح في الحروب سوى شركات تصنيع وتصدير الأسلحة الفتاكة، خاصة تلك التي تبيع بملايين الدولارات لدولٍ في الشرق، تكدّس الأسلحة طمعًا في إرضاء أميركا أو لضمان بقاء السلطة واستمرار نهب الشعوب.
وغالبًا ما تمتد آثار الحرب إلى الأجيال اللاحقة؛ فالأطفال الذين نشأوا في بيئة عنف، وحُرموا من التعليم، يعانون من مشاكل في النمو النفسي والاجتماعي، ويواجهون صعوبات في الاندماج في الحياة العامة.
في الحقيقة، يمكن القول إن الحروب تترك آثارًا مدمّرة على الشعوب، فكل حرب، مهما كانت دوافعها، تؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح، وتدمير للبنية الاقتصادية، وتدفع الشعوب الثمن الأكبر من دمائها وأمنها واستقرارها، خضوعًا لرغبات الحكّام. لذلك فإن السلام والحوار والتفاهم هو الحل الأفضل لتجنيب الإنسانية ويلات الحروب وتداعياتها المستمرة.
لقد أثبت التاريخ أن الحروب تخلّف الفقر، والمجاعة، والدمار، وتمحو الحضارات التي بنتها الأجيال عبر عقود من الجهد، والمال، والعلوم، مهما كان الطرف المعتدي أو المُعتدى عليه.
تندلع الحروب لأسباب عديدة، أبرزها الأطماع الاقتصادية والسيطرة على الثروات، خاصة النفط، بينما يظهر كل طرف نفسه كضحية يدافع عن استقلال وطنه ضد الآخر.
للأسف، ما زالت الحروب الإقليمية مستمرة، ولا تزال دول كثيرة متورطة في نزاعات داخلية مأساوية، خصوصًا بعد ما سُمّي بـ”الربيع العربي”. وكان آخرها الحرب التي اندلعت بين إيران وإسرائيل، بإشراف وقرار من الرئيس الأميركي، الذي أشعل الضوء الأخضر لبدئها، ثم أطفأه لإنهائها، بعد أن دمّرت الاقتصاد والمدن.
ولا يمكن التغاضي عن الجرائم البشعة التي ارتكبتها بعض الأنظمة، مثل ما حدث في “عملية الأنفال” التي دفن فيها المجرمون 182 ألفًا من الأطفال والنساء والشيوخ أحياء، واستخدام الأسلحة الكيميائية في مدينة “حلبجة” الجريحة، وجرائم النظام السوري باستخدام الكيماوي في الغوطة ومناطق أخرى، ما أدى إلى قتل وتشريد الملايين من السوريين.
ولتجنّب مآسي الحروب، يجب احترام سيادة واستقلال الدول، والاعتراف بحق الشعوب في العيش الكريم، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. رغم وجود الكثير من القوانين الدولية التي تحفظ حقوق الإنسان، فإن الدول الكبرى تخرقها دون مساءلة.
إن الحروب تدمر ما بنته الأجيال عبر عقود. ولذلك، فإن على كل قوى السلام في المعمورة أن تعمل بجدّ لإيجاد حلول تقوم على نبذ العنف، ورفض القتل، والانخراط في العمل السياسي والدبلوماسي. فالحروب لا رابح فيها سوى الموت والدمار.