المبعوث الأميركي في أنقرة: نهاية الخصوصيات السورية وبداية الترتيب الجديد..؟ .

ماهين شيخاني

 

في تطور دبلوماسي لافت، خرج توم باراك، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا وسفير الولايات المتحدة في أنقرة، بتصريحات حاسمة حيال الموقف الأميركي من الصراع السوري، حاملة معها رسائل بالغة الدلالة لكافة الأطراف الإقليمية والمحلية. ففي مقابلة أجراها مع وكالة “الأناضول” التركية بتاريخ 29 حزيران 2025، أكد باراك أن الولايات المتحدة لا تعترف سوى بدولة واحدة في سوريا، وهي الدولة التي تقودها الحكومة السورية الحالية.

تجاهل متعمد للواقع الميداني

من الملفت أن يعلن المبعوث الأميركي هذا الموقف في توقيت لا تزال فيه مناطق واسعة من شمال وشرق سوريا خارج سيطرة الحكومة، وتُدار فعليًا من قبل قوات سوريا الديمقراطية، التي خاضت الحرب ضد تنظيم داعش جنبًا إلى جنب مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن. ومع ذلك، يرى باراك أن المرحلة القادمة يجب أن تشهد اندماج قسد سياسيًا وعسكريًا في بنية الدولة السورية.

هذا الخطاب يعبّر عن تحوّل استراتيجي، يُعيد واشنطن إلى مربع “الشرعية المركزية”، مُتجاهلة خصوصية المكونات التي قاتلت وصمدت ودفعت أثمانًا باهظة في سبيل الحفاظ على أرضها وهويتها وحقوقها.

خطاب الوحدة: اندماج قسري أم اعتراف بالمكونات..؟.

قال باراك إن الحل السياسي في سوريا يجب أن يشمل الجميع: العلويين، الدروز، الكورد وغيرهم، مشددًا على أن العملية تحتاج وقتًا وتدرجًا. لكنه لم يقدّم تصورًا واضحًا عن كيفية تحقيق ذلك الاندماج دون الاعتراف الدستوري والإداري بحقوق المكونات، أو ما إذا كان سيُفرض عليهم التخلي عن نموذجهم الإداري والأمني الحالي.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل المقصود بالاندماج هنا هو العودة إلى مركزية دمشق القديمة..؟. أم بناء دولة جديدة تتّسع لكل السوريين..؟!.

سوريا وإسرائيل… المسار الخفيّ

الجزء الأخطر من حديث باراك تمثل في الإشارة إلى حوار غير معلن بين سوريا وإسرائيل، عبر قنوات خلفية، حول مسائل تتعلق بأمن الحدود. بل ذهب أبعد من ذلك حين تحدث عن رغبة مشتركة في السلام، متحدثًا عن تغيّر في خطاب النظام الجديد، على لسان الرئيس الذي وصفه بـ”الشرع”، في تلميح إلى شخصية جديدة تتولّى دفة القيادة منذ 6 أشهر فقط.

هنا نلحظ محاولة واضحة لإعادة تشكيل المشهد السياسي السوري برعاية أميركية، في سياق أكبر يعيد خلط الأوراق في المنطقة بعد الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران.

كورد سوريا ومصير الغموض.

التصريحات الأخيرة مثيرة للقلق بالنسبة للكورد في كوردستان سوريا، الذين خاضوا معركة الكرامة ضد الإرهاب، وأسّسوا نموذجًا محليًا للإدارة الذاتية، ونادوا دومًا بحل سياسي سلمي وديمقراطي عادل. لكنهم اليوم يُواجهون تجاهلًا فجًّا من الراعي الدولي الأساسي، الذي يبدو أنه يضعهم أمام خيارين: الانصهار أو التهميش.

أين مصير مشروع الإدارة الذاتية..؟ . وماذا عن التضحيات التي قُدّمت في سبيل الاستقرار؟ وأين موقف واشنطن من الحوارات الكوردية-الكوردية التي طالما شجّعتها..؟.

خاتمة: ولادة سوريا جديدة أم إعادة تدوير النظام..؟.

قد يرى البعض في تصريحات باراك إشارات إلى تسوية شاملة في الأفق، لكن الواقع يُظهر أيضًا أن هناك اختزالًا متعمدًا لتعقيدات الملف السوري. فالسعي نحو “الاندماج” لا يمكن أن يتم بفرض أمر واقع دون ضمانات دستورية وحقوقية.

وبينما تُعقد الصفقات في الغرف الخلفية، تظل الشعوب التي صنعت التغيير ميدانيًا في حالة ترقّب، مطالبة بالاعتراف والمشاركة الحقيقية، لا التذويب في دولة تحوّلت لعقود إلى آلة قمع.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف إذ كان يمكن لشرنقة الصمت أن تكون أكثر أمنًا، وانفتاحاً على تحقيق المكاسب، وإذا كان للتأني أن يترجم حكمة، وللموقف أن يُرجأ باسم الواقعية، فإنني اخترت أن أضع اسمي حيث يتقاطع الخطر مع الانحياز. إذ لم تكن المغامرة بحثًا عن بطولة، بل اضطرارًا داخليًا، غريزيًا، لأن أقول “أنا” حين يُمسّ الضعيف. وكلما صار القول مكلفًا، قلتَه أكثر، لاسيما…

خالد بهلوي يُعدّ اختيار الكفاءات من أبرز العوامل التي تُسهم في تقدّم المجتمع ونجاح مؤسساته، إذا تم الاختيار ضمن مناخ ديمقراطي يتيح انتخابات حرّة ونزيهة، تُفرز عندها قيادات مسؤولة أمام الشعب، وتخضع للمساءلة القانونية في حال ارتكابها أخطاء مالية أو إدارية، أو في حال إهمالها قضايا وهموم من انتخبوها. عندما يُنتخب المسؤول من قبل الشعب، يجب عليه أن يعمل…

عبد الجابر حبيب في الأيام الأخيرة، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو يُظهر عناصر من الجيش السوري يقومون بإهانة شيخ طاعن في السن، بحلق شاربه على الملأ، في صورة تجسّد انحطاطاً أخلاقياً صارخاً، وعنفاً رمزياً مؤلماً يتجاوز الفعل ذاته. هذا المشهد ليس مجرد انتهاك فردي، بل تمثيل فجّ لطريقة تفكير أمنية ترى في الكرامة الشخصية سلاحاً يجب كسره، وفي رموز…

إبراهيم اليوسف تأسيسًا على المسار الطويل لإفناء الهوية الدرزية، لا يبدو أن المسألة متعلقة بحادثة أو خلاف طارئ، بل ها نحن أمام صفحة جديدة من كتاب ممدود بالحقد، تُضاف إليه في كل عقد ورقة نار. حيث لم يكن التاريخ الدرزي سلسلة من الانعزال عبثًا، بل ثمرة جراح طاردت هذا المكوّن منذ القرن الحادي عشر، فألجأته إلى قلاع الجبل ومخازن الصمت،…