خالد حسو
الفيدرالية ليست تنظيرًا سياسيًّا يُعلّق على الجدران في مؤتمرات الفنادق،
بل مصيرٌ لغويٌّ جديد لوطنٍ تهشّمتْ معانيه في فم الخوف، وتقطّعت أوصاله بين خرافة الوحدة وأنياب القومية المركزية.
الفيدرالية ليست بدعة،
بل إنقاذٌ للدم من مرايا الانصهار القسري، هي ما تبقّى من أدوات العدالة في خرائط مضرّجةٍ بالتاريخ المغشوش،
وطنٌ بسبع لغات، وأربعة أديان وعشرات الفجائع، وما زالوا يقولون: “أمة واحدة”!
الثورة؟
لم تُهزم الثورة فقط، بل تمّت خيانة لحظتها، كان ينبغي أن تكون زلزالًا يؤسّس لاجتماعٍ جديد، لا تكرارًا لعبارات الحشود وفتاوى الشارع، غابت القيادة لا لأنها غير موجودة، بل لأنها خافت من السؤال الأصعب:
“من نحن؟ ومن معنا؟”
من الكرديّ الذي حمل الخريطة كجثةٍ على ظهره؟
من العلوي الذي وُلد في قمقم الشكّ؟
من الدرزي المحاصر بين كل الجهات؟
من المسيحي الذي رأى صليبه يتحوّل إلى هدف؟
من الأيزيدي الذي تقيّأ اسمه كي لا يُقتل؟
من العربي الذي لم يُعطَ خيارًا إلا بين جلادَين؟
ضاعت الثورة حين ظنّت أن الخلاص يُكتب بلغة واحدة، وأن الألم لا يحتاج لترجمة، ما الذي بقي؟
نظامٌ يقف على كتفي شيطانٍ دوليّ، يرقص عاريًا فوق رماد المدن، يبيع الوطنَ بالساعةِ،
ولا يتنازل عن كرسيٍّ يتيمٍ، حتى لو احترق الكونُ تحته، يرفض الحوار، يرفض الاعتراف،
يرفض أن يرى الآخر إلا بمرآة الخوف أو عبر منظار القنّاص، لن تُبنى سوريا بالندم، ولا بخطابات الوحدة،
بل بشجاعة تفكيك الكذبة الكبرى:
أنَّ شعبًا واحدًا، بلونٍ واحد، وتاريخٍ واحد، يمكنه أن يصنع وطنًا للجميع، الحلّ؟
ليس إسقاط النظام فقط، بل إسقاط الأسطورة التي صنعته:
أسطورةُ الإنكار، وأسلاكُ الذوبان الإجباري، الفيدرالية ليست مشروعًا… إنها العدالة وقد ارتدت ثوب الجغرافيا.
هي اللغة الوحيدة التي تفهمها الأوطان المتشظية، إن أرادت أن تعيش بلا قنابل.