صلاح بدرالدين
منذ الثورة الايرانية ضد نظام الشاه عام ١٩٧٩ وتسلط رجال الدين العقائديين المذهبيين المتشددين، الذين تبنوا استراتيجية مبنية على مبدأ تصدير (ثورتهم) المذهبية الى كل بقعة ممكنة، وخصوصا في الدول التي يتواجد فيها مواطنون من المذهب الشيعي مثل لبنان، والعراق، واليمن، ومعظم دول الخليج، بالاضافة الى سوريا في ظل نظام الاسد البائد ذو اللون الطائفي الاقرب الى عقيدة الحاكمين بطهران.
نقول، ومنذ عقود اربعة، بدا المجتمع الدولي، وشعوب الشرق الاوسط بمختلف الاطياف والتوجهات، يتوجس الحذر الشديد تجاه نهج (الجمهورية الاسلامية الايرانية) ونزعتها التوسعية العدوانية، وخططها لاثارة الفتنة المذهبية، واستثمار الاخرين من الموالين لها وقودا من اجل توسيع نفوذها، خصوصا بعد استخدام مواردها المالية الهائلة لتوريد السلاح، وصرف معظم ميزانيتها على تدريب وتسليح وتمويل ميليشيات من وراء الحدود عبر اجهزة الحرس الثوري – الميليشياوي – الذي فاق الجيش الايراني عددا وعدة.
وفي ظل غياب اي دور للنظام العربي الرسمي لمواجهة الخطر الايراني الداهم عليه اولا قبل البعيدين جغرافيا، تصدى المجتمع الدولي للمعضلة بالطرق الدبلوماسية من اجل قطع الطريق على هذا النظام لامتلاك السلاح النووي، وكانت مفاوضات لوزان ٢٠١٥، بمشاركة امريكا، والصين، وروسيا، وفرنسا، والمانيا، وبريطانيا، من اجل التوصل الى تسوية شاملة تضمن الطابع السلمي للبرنامج النووي الايراني، والغاء جميع العقوبات على ايران بشكل تام.
وبسبب النوايا المبيتة لنظام طهران، وعدم التزامه بكل التعهدات، استمر بمختلف السبل الملتوية من اجل التوصل الى الحصول على القنبلة النووية، وبناء المخابئ تحت الجبال تحسبا لاي هجوم محتمل، كما يحصل الان بشكل اكثر وضوحا، اي منذ بدء اسرائيل بشن الهجمات، واستهداف مواقع تخصيب اليورانيوم، وقواعد انطلاق الصواريخ الباليستية.
الهجوم الاسرائيلي الجوي الناجح، واستهدافه ليس المواقع النووية فحسب، بل الصف الاول من القيادات العسكرية، والامنية، ورموز الحرس الثوري، والذي يحظى بدعم امريكا والغرب عموما، حيث وصفه المستشار الالماني (بالمهمة القذرة التي تنفذها اسرائيل نيابة عنا جميعا – ويقصد جميع دول الغرب من امريكا الى دول الاتحاد الاوروبي).
هذا الهجوم المتواصل منذ اكثر من اسبوع، وقد يطول اكثر، يتم رسميا وعلنيا بهدف القضاء على مشاريع بناء القدرة النووية، واضيف الى ذلك برامج الصواريخ ايضا، ولكن الهدف الحقيقي ابعد من ذلك، وهو اسقاط النظام الحاكم.
وفي حقيقة الامر، وبعد تجريد هذا النظام من اذرعه في غزة، ولبنان، والعراق، واليمن، وسوريا، اصبح ايلا للسقوط، وعندما يخسر ترسانته التحضيرية لصنع النووي، سيفقد وظيفته المحلية والاقليمية، وهي سبب وجوده اصلا، وسيصبح بحكم الساقط عمليا، وهذا ما يعلمه الايرانيون بكل شعوبهم وقومياتهم، ويعلمه الغرب ايضا، والعالم اجمع.
ليس مستغربا ان تتعاطف جماعات الاسلام السياسي بوجهيها الشيعي والسني، وخاصة حركة الاخوان المسلمين، مع نظام طهران، فسقوطه يعني حرمان تلك الجماعات من النظام الوحيد القائم على الكرة الارضية الذي ينتهج ايديولوجيتها العنفية، ويعمل على تفكيك النظام الدولتي، ديموقراطيا كان ام ليبراليا، وينشئ دويلات ميليشياوية داخل الدول من اجل اضعافها، والحاقها بولاية الفقيه كنوع من الخلافة الدينية، لا تختلف كثيرا عن دولة الخلافة الداعشية.
قد يتذرع البعض بفلسطين وعداوة اسرائيل، وهو مجرد هراء، فالوقوف الى جانب الحقوق الفلسطينية المشروعة لا يستوجب ادانة من يقوم بمواجهة شرور النظام الايراني الدكتاتوري الطائفي، حتى لو كانت اسرائيل، فهي وجهت ضربات ماحقة سابقا الى ميليشيات لم تكن يوما مع الشعب الفلسطيني، وكنا قد اشرنا بمناسبات متتالية ان اسرائيل تخدم وجودها بالدرجة الاولى، ولكن في الكثير من الاحيان تتقاطع المصالح وتكون النتائج لمصلحة شعوب المنطقة، مثل اضعاف وتصفية ميليشيات حزب الله، والحوثي، ونظام الاسد، وحركة حماس.
يتردد الكثير بشان – نظام شرق اوسطي جديد – ولو ان هيكليته ومضمونه غير واضحة المعالم حتى الان، ولكن وبكل بساطة سيكون الجديد هو: منطقة بدون نظام الاسد الدكتاتوري، وبلا ميليشيات طائفية مذهبية مسلحة ارهابية، وبلا سلطات امر واقع فالتة من عقالها، وبلا نظام ايراني يصدر الفتن والحروب، وبلا وكلاء حروب الاخرين.
وفي مثل هذه الاجواء تتضاعف الفرص من اجل تحقيق السلام والاستقرار، واللجوء الى الحوار لحل القضايا العالقة.
والى جانب كل ذلك، سيحصل التغيير في دول اخرى قد تكون انظمتها شبيهة بنظام طهران، وعلى العموم فان حصول هذه التطورات ستنعكس ايجابا على بلادنا، وستكون داعما لحل القضية الكردية عبر الحوار السلمي في اكثر من بلد، هذا بحسب امال وتطلعات الشعوب المقهورة بالمنطقة، وقد تكون لاطراف اقليمية ودولية حسابات اخرى بشان طبيعة (الشرق الاوسط الجديد)، خصوصا ويجب الاعتراف بان قوى التحرر والتقدم ببلداننا لا تملك المبادرة بكل اسف، وان حركة الشعب الكردي السياسية بالمنطقة ليست في احسن احوالها.
واخيرا، وبحسب المؤشرات والمعطيات، على ضوء موازين القوى السائدة لمصلحة الغرب والحلف الامريكي الاسرائيلي خصوصا، لا استبعد ظهور انظمة مستحدثة بالشرق الاوسط (الجديد) بما فيها ايران، قوامها الاعتدال، وحل المشاكل عبر الحوار، ومنطلقها التنمية الاقتصادية، والابتعاد عن العسكرة، قد يتصدرها الجيل الشاب كما حصل في السعودية على سبيل المثال، وهذا سيتوافق مع مصالح المجتمع الدولي، ولست استبعد دورا مرتقبا في هذا المجال لرجل الاعمال الملياردير – مجتبي خامنئي – في ايران المستقبل كحل وسط محتمل، مع تمنياتي ان تبادر شعوب ايران الى تحقيق ما تصبو اليه في بناء نظام ديموقراطي تعددي حر.
٢١ – ٦ – ٢٠٢٥