الكورد يا سيدتي شعب وليسوا بجالية ج1

زاكروس عثمان

 

تشهد العاصمة السورية دمشق بين الحين والآخر جولات تفاوضية شاقة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وعدد من الأحزاب الكوردية من جهة، والحكومة السورية الانتقالية بزعامة أبو محمد الجولاني من جهة أخرى، وذلك بهدف تطبيق بنود اتفاق 10 آذار الموقّع بين قائد “قسد” مظلوم عبدي و الجولاني. لكن ما يثير الانتباه هو بطء سير هذه المفاوضات، نظراً لوجود ألغام سياسية وعمق الخلافات الجوهرية بين الطرفين.

في هذا السياق، نشرت الإعلامية سميرة المسالمة مقالاً بعنوان “قسد بين واقعية السياسة وتهمة الاعتداء على السيادة” في جريدة المدن بتاريخ 03/06/2025، عرضت فيه وجهة نظرها حول العقبات التي تعترض التفاهم بين الطرفين، معتبرة أن مطلب الفيدرالية من طرف “قسد” هو محور الخلاف الأساسي، دون ان تتعمق صاحبة المقال في خلفيات هذا المطلب أو تداعيات التمسك بالدولة المركزية في مرحلة انتقالية معقدة تمر بها البلاد.

تناولت المسالمة جملة مسائل تمس قضية كوردستان روزئافا وهي .

أولاً: سيادة الدولة ونموذجها المأمول

تحدثت المسالمة عن ضرورة “بسط الدولة السورية سيادتها على كامل أراضيها”، لكن السؤال الجوهري الذي تغاضت عنه هو: أي نموذج من الدولة تسعى حكومة الجولاني لتطبيقه؟

هل نتحدث عن دولة مركزية ديمقراطية علمانية على غرار فرنسا؟ أم أن ما نراه اليوم ليس سوى مشروع “إمارة سلفية” تتستر وراء شعارات الوحدة والسيادة؟

منذ وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة، لم تُبدِ أي بوادر لبناء دولة مدنية جامعة، بل على العكس، سارع الجولاني ورفاقه إلى فرض طابع ديني إقصائي على المجتمع، رافعين شعار “من يحرر يقرر”، وكأن سوريا أرض غنيمة لا وطن لمواطنيها.

هذا النهج السلطوي القروسطي لا يمكن أن يُبنى عليه مستقبل دولة متعددة الأعراق والأديان، بل يقود حتماً إلى الانفجار. وقد رأينا نماذجه بالفعل في الانتهاكات التي طالت العلويين في الساحل، والتصعيد المستمر ضد الدروز في السويداء، والتضييق المتزايد على المكونات غير السنية في عموم البلاد.

في هذا الإطار، تبدو منطقة الإدارة الذاتية – التي تضم روزئافا – بمثابة قنبلة سياسية موقوتة، لا بسبب “الانفصالية” كما يدعي خصومها، بل لأنها تطرح نموذجًا للحكم يهدد النظام المركزي الأحادي الذي يسعى الجولاني لتكريسه. ومهما حاولت الحكومة الانتقالية التهرب من هذه الحقيقة، فإن أي صدام مسلح محتمل مع “قسد” لن يؤدي إلا إلى خراب يشمل الجميع.

ثانياً: وهم “السيادة الوطنية” وازدواجية المعايير

يتذرع الجولاني ومن يدور في فلكه بـ”وحدة سوريا” كذريعة لرفض أي صيغة من صيغ الحكم الذاتي أو الفيدرالي، لكنهم لا يقدمون إجابة مقنعة: هل الفيدرالية تهدد وحدة البلاد؟

الواقع أن تجارب الدول الحديثة تنقض هذه الفرضية. فهل تمزقت وحدة ألمانيا أو سويسرا بسبب نظامها الفيدرالي؟ هل تعاني الولايات المتحدة من الانقسام بسبب ولاياتها المختلفة؟ بالعكس، أثبتت النماذج الفيدرالية في الدول المتعددة الأعراق والطوائف أنها أفضل ضمانة للوحدة والاستقرار، بينما تسببت النماذج المركزية المتسلطة – كالنموذج السوري ما قبل 2011 – في الانهيار والتفكك.

الأدهى أن الجولاني، الذي يشدد على “وحدة الأرض السورية”، لم يجد حرجًا في الدخول باتفاقيات سرية مع إسرائيل، وفقًا لمصادر مطلعة، تضمنت بنودًا تمس السيادة الوطنية فعلاً. كما يغضّ الطرف عن الاحتلال التركي لشمال سوريا، بينما يوجه كل سهامه إلى الكورد والدروز والعلويين. فأين هي الوطنية إذأ؟ وأين السيادة حين تُباع الأراضي لصالح أجندات خارجية بينما يُطالب الكورد وحدهم بالتخلي عن حقوقهم؟

ثالثاً: الفيدرالية ليست لعنة… بل فرصة

لقد آن الأوان لتجاوز النظرة النمطية التي ترى في الفيدرالية مشروعًا تقسيميًا، بينما هي – في جوهرها – وسيلة لتوزيع السلطة بعدالة وإنصاف، تضمن مشاركة جميع المكونات في صياغة مستقبل مشترك.

وإن كان الجولاني حريصًا فعلاً على وحدة البلاد، فليبدأ بخطوة شجاعة: الاعتراف بالكورد كشعب، لا كجالية.

وليُظهر حسن نية تجاههم عبر ضمانات دستورية، وليس عبر الدعوات المجردة لنزع سلاحهم. لأن التخلي عن السلاح دون ضمانات في ظل نظام مركزي متشدد، يشبه تسليم الرقاب طواعية.

ومن جهة أخرى، فإن التفاهم مع الكورد يمكن أن يحقق فوائد هائلة لسوريا الجديدة:

قوة عسكرية منضبطة تضم أكثر من 100 ألف مقاتل يمكن أن تشكل نواة جيش وطني حقيقي.

كسب كتلة سكانية تزيد عن 3 ملايين كوردي داخل سوريا، وملايين اكثر من الكورد الاجزاء الكوردستانية الاخرى.

ثروات استراتيجية في مناطق الإدارة الذاتية يمكن أن تُسهم في إعادة إعمار البلاد وتنمية اقتصادها.

تخفيف الضغوط الدولية على الحكومة السورية في ملف حقوق الأقليات.

رابعا: السيادة لا تُبنى بالإقصاء

إن تكرار الحديث عن السيادة ووحدة الأرض بينما تُمارَس الطائفية، ويُقصى الكورد من العملية السياسية، ليس إلا نفاقًا سياسيًا.

السيادة الوطنية الحقيقية تُبنى على الثقة والعدالة، لا على احتكار القرار وتغليب فئة على حساب أخرى.

الكورد ليسوا جالية ضيفة على الوطن، بل هم شعب أصيل من نسيجه، ولهم الحق في الشراكة الكاملة، لا في “تذويب الذات” تحت راية الدولة المركزية.

وإذا أراد الجولاني ومن معه إنقاذ سوريا فعليهم أن يدركوا أن عهد الحكم الأحادي قد ولى، وأن الفيدرالية – لا المركزية – هي الطريق الوحيد لضمان وحدة سوريا وعدالتها.

يتبع

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

علي جزيري يُحكى أن (حسان) ابن رئيس «الجمهورية السورية» شكري القوتلي تأخر عشر دقائق عن الدوام المدرسي ذات يوم، بيد أن مدير المدرسة (جودت الهاشمي)، أنّبَهُ وأعطاه كتاباً ممهوراً بختم المدرسة، يطلب فيه ضرورة إحضار ولي أمره، ولبى حسان حينئذ أمر المدير، لكنه عاد إلى البيت مكسور الخاطر، فاستغربت والدته عودة ابنها الوحيد في ذاك الوقت المبكر، وحين…

صلاح بدرالدين مدخلالى جانب الانشغال اليومي بامور وشؤون الكرد السوريين كمهام لها الاولوية من خلال النضال في سبيل رفع الاضطهاد القومي، والاجتماعي، والسياسي عن كواهلهم، واستعادة حقوقهم القومية، والمساهمة في النضال الوطني العام من اجل الديمقراطية، والتقدم، ومواجهة الاستبداد، كان الهم القومي – الكردستاني – لم يفارق مشاعر جيلنا والذي من قبلنا، ليس كموقف سياسي عابر…

إبراهيم اليوسف الوطن في أرومته قبل الخريطة في حبرها أحدهم   لم يبدأ مشروع “الشرق الأوسط الكبير” من مقاعد البيت الأبيض، بل تسرّب ببطء من: غرف التفكير، مراكز البحوث، خرائط الجيوبوليتيك، وأقلام من ظنّوا أن المنطقة لا تستحق حدودًا ثابتة، وفق تصورات القطب الثاني الموازي بل المعادي للاتحاد السوفياتي السابق، كقطب قوي عملاق، قبل انهياره التاريخي. إذ إن…

شيرزاد هواري   تشهد منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة تصعيدات عسكرية متسارعة تقودها إسرائيل، مدعومة من حلفائها التاريخيين، في مشهد يشي بتحولات استراتيجية عميقة. هذه التطورات لم تأتِ من فراغ، بل تبدو كحلقة متقدمة من مسار طويل ابتدأ منذ ما يزيد عن قرن، مع توقيع اتفاقية سايكس – بيكو التي قسّمت إرث الإمبراطورية العثمانية على أسس استعمارية، دون أدنى…