العبارات الجوفاء تنطق قسراً

مسلم شيخ حسن

 

في تلك الحقبة التي لا يرغب السوريون بالعودة إليها فرض النظام حافظ وبشارالاسد البائد لغته، لغة تمجيد وتقديس الحاكم والاحتفاء به ومحولاً إياه إلى رمز فوق الدولة والوطن . ترددت هذه الكلمات يوميًا في نشرات الأخبار وفي الكتب المدرسية وعلى جدران الدوائر الحكومية وحتى على ألسنة المظلومين. 

هذه العبارات الجوفاء تنطق قسراً لا تحمل من الحقيقة شيئا ً سوى تذكيرهم بسلطة غاشمة ونظام لا يقبل إلا الصمت.

كانت الألقاباً شرفية تمنح على الحاكم كأنه إله ذو صفات تفوق صفات البشر. كان يصور دائماً كمنقذ وحامي وقائد ملهم وكأن البلاد لا تستطيع البقاء بدونه. في الواقع غرقت البلاد في العزلة والخوف والفقر بينما استمر التهليل والتصفيق في مسرحية لا نهاية لها .

حتى أجهزة الرعب كانت لها لغتها الخاصة، وأسماء لا تذكر  إلا همساً وترافقها نظرات القلق. 

تحولت المؤسسات التي كان من المفترض أن تحمي الوطن ومواطنيه إلى سجون مفتوحة وسرية لا يخرج منها إلا من قدر لهم حياة جديدة. كان كل شيء مراقباً والجميع موضع شك وكل فكرة أو رأي تعتبر اتهاماً .

لم تكن الرايات البراقة المرفوعة في كل زاوية سوى وجه زائف لنظام لا يقبل أي تمييز. شعارات التي تتحدث عن الحرية والعدالة والكرامة في الوقت نفسه تحرم المواطنين من حق الكلام أو حتى التفكير بصوت عال .

اخترعت تعريفات لتجميل الفظائع وتبرير الهزيمة وإسكات الأسئلة.

أما الوطن فقد اختزل في شخص في خطاب واحد لا تتغير ،ارتبط اسمه باسم الحاكم لا بتاريخ شعبه أو تضحياته. وصار التهليل لصور القائد واجباً وطنياً وأصبحت الوقوف أثناء مروره طقساً من طقوس الطاعة. اختفت الكلمات وضاع معناها وأصبحت اللغة أداة قمع.

في سوريا الجديدة حلم كل حر علينا أن نطوي تلك الصحفة الحزينه بكل شعاراته الملفقة وتصريحاته تمجيدية التي لا تمت للحقيقة بصلة. لا يليق بمستقبل سوريا أن تتكرر هذه اللغة التي كانت أداة قمع وتضليل. نتمنى ألا تتكرر هذا تلك الكلمات والمصطلحات على لسان أي مسؤول أو رجل دولة لا في الإعلام ولا في المؤسسات التعليمية ولا بين المواطنين في حياتهم اليومية. لقد جربت هذه اللغة لعقود وكانت نتائجها دماراً نفسياً واجتماعياً  لا تزال آثاره محسوسة حتى اليوم. علينا أن نتعلم من تلك الحقبة المظلمة وأن نبني خطاباً جديداً يعلي من شأن الحقيقة ويصون كرامة الشعب ويقدم المسؤول على انه خادم للشعب لا سيداً عليه . هذه مسؤولية أخلاقية ووطنية يجب أن تكون حجر الزاوية في بناء سوريا التي نحلم بها جميعاً.

كوباني

8 / 6 / 2025

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

علي جزيري يُحكى أن (حسان) ابن رئيس «الجمهورية السورية» شكري القوتلي تأخر عشر دقائق عن الدوام المدرسي ذات يوم، بيد أن مدير المدرسة (جودت الهاشمي)، أنّبَهُ وأعطاه كتاباً ممهوراً بختم المدرسة، يطلب فيه ضرورة إحضار ولي أمره، ولبى حسان حينئذ أمر المدير، لكنه عاد إلى البيت مكسور الخاطر، فاستغربت والدته عودة ابنها الوحيد في ذاك الوقت المبكر، وحين…

صلاح بدرالدين مدخلالى جانب الانشغال اليومي بامور وشؤون الكرد السوريين كمهام لها الاولوية من خلال النضال في سبيل رفع الاضطهاد القومي، والاجتماعي، والسياسي عن كواهلهم، واستعادة حقوقهم القومية، والمساهمة في النضال الوطني العام من اجل الديمقراطية، والتقدم، ومواجهة الاستبداد، كان الهم القومي – الكردستاني – لم يفارق مشاعر جيلنا والذي من قبلنا، ليس كموقف سياسي عابر…

إبراهيم اليوسف الوطن في أرومته قبل الخريطة في حبرها أحدهم   لم يبدأ مشروع “الشرق الأوسط الكبير” من مقاعد البيت الأبيض، بل تسرّب ببطء من: غرف التفكير، مراكز البحوث، خرائط الجيوبوليتيك، وأقلام من ظنّوا أن المنطقة لا تستحق حدودًا ثابتة، وفق تصورات القطب الثاني الموازي بل المعادي للاتحاد السوفياتي السابق، كقطب قوي عملاق، قبل انهياره التاريخي. إذ إن…

شيرزاد هواري   تشهد منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة تصعيدات عسكرية متسارعة تقودها إسرائيل، مدعومة من حلفائها التاريخيين، في مشهد يشي بتحولات استراتيجية عميقة. هذه التطورات لم تأتِ من فراغ، بل تبدو كحلقة متقدمة من مسار طويل ابتدأ منذ ما يزيد عن قرن، مع توقيع اتفاقية سايكس – بيكو التي قسّمت إرث الإمبراطورية العثمانية على أسس استعمارية، دون أدنى…