صلاح بدرالدين
جميع أنواع الثورات، الاستقلالية منها مثل الثورة الأمريكية، أو الثورية التحررية التقدمية مثل الثورة الكوبية، أو الاجتماعية الشعبية مثل الثورة الفرنسية وثورة أكتوبر العظمى، أو الوطنية الديمقراطية مثل الثورة السورية وغيرها، لم تقتصر على عنصر واحد معين بل على انتماءات عناصر قومية أو دينية أو مذهبية معينة. وفي كثير من الحالات، لم يتكون الثوار من السكان المحليين فقط، بل وجدوا بين صفوفهم متطوعون ومناصرون لهم من دول وأعراق أخرى. وقد يكون ذلك لأسباب عديدة ولكن لتحقيق هدف أولي واحد، ووحدت الثورة الجميع على طريق واحد من أجل تحقيق هدف مشترك على الأقل في المراحل الأولى، وبعد تحقيقه أصبح الخيار مفتوحا لكل عنصر من تلك العناصر لاستمراره في ظل الكيان الحر الجديد أم انتقاله إلى حيث يشاء.
ثورة الاستقلال الأمريكية
في ثورة الاستقلال الأمريكي من سكان المستعمرات البريطانية الثلاثة عشر، يشير تعبير «الآباء المؤسسون» إلى مهندسي الدستور الأمريكي الذين يعتبرون أبطالا في الولايات المتحدة. هؤلاء الستون رجلا يشتركون في العديد من النقاط: جميعهم من البيض، ومعظمهم من المسيحيين. لم يكونوا من قومية واحدة، ينتمون إلى معظم الأقوام الأوروبية، ولم يقتصر الأمر على هؤلاء بل شارك السود من أصول أفريقية بقوة، وكذلك السكان الأصليون من الهنود الحمر. وبعد أن حققوا هدف الاستقلال عن المستعمر البريطاني، توافق الجميع على إبرام العقد الاجتماعي الجديد، وصياغة دستور الولايات المتحدة الأمريكية.
الثورة الكوبية
شهدت الثورة الكوبية مشاركة واسعة من مواطني العديد من دول أمريكا اللاتينية، وبرز بينهم اسم الأرجنتيني من أصول إسبانية باسكية، الثائر الأممي – أرنستو تشي غيفارا – الذي حرر العاصمة – هافانا – قبل وصول قائد الثورة – فيدل كاسترو – بأسبوع. وقد أعلنت الحكومة الثورية – غيفارا – مواطنا كوبيا تقديرا لدوره في تحقيق النصر، كما أصدرت الحكومة الوطنية الأولى بعد التحرير قانونا يمنح الجنسية وحق المواطنة الكاملة لكل من حارب مع الثوار الكوبيين، إلى جانب رتبة – عقيد – لكل من اختار العمل في الجيش الوطني.
وفي بعض الحالات عاد المقاتلون (الأجانب) إلى ديارهم بشكل طوعي، وغادروا كوبا إلى أوطانهم الأصلية بمحض إرادتهم مثل حالة القائد – غيفارا – الذي وجه الرسالة التالية إلى رفيقه الرئيس كاسترو والشعب الكوبي:
«أشعر أني أتممت ما لدي من واجبات تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، لهذا أستودعك، وأستودع الرفاق، وأستودع شعبك الذي أصبح شعبي. أتقدم رسميا باستقالتي من قيادة الحزب، ومن منصبي كوزير، ومن رتبة القائد، ومن جنسيتي الكوبية، لم يعد يربطني شيء قانوني بكوبا».
الثورة السورية
منذ أن انتفض السوريون ضد نظامهم الدكتاتوري المستبد، وبعد مرحلة تحول الانتفاضة إلى ثورة دفاعية خصوصا بعد انحياز جزء كبير من الجيش السوري من مختلف الرتب إلى صفوف الشعب باسم الجيش الحر، كان واضحا في العامين الأولين أن ميزان القوى يميل إلى جانب الثوار. لذلك اضطر النظام من أجل بقائه إلى الاستعانة بالخارج، فجلب جيوش الاحتلال الروسي والإيراني، وفتح الأبواب لدخول الميليشيات المسلحة المصنفة إرهابية (حزب الله اللبناني، والميليشيات العراقية، والإيرانية، والزينبيين، والفاطميين، وووو).
وفي الجانب الآخر، أي معسكر الثورة والمعارضة المكون من مختلف التيارات الإسلامية، والقومية، واليسارية، والليبرالية، والذي كما هو معروف وبسبب ضعف وهزالة التيارات الأخرى، سيطر الإسلام السياسي في ظل – المجلس الوطني السوري – على مقاليد الأمور، خصوصا وأنه كان يحظى بدعم العديد من الدول الإقليمية بينها الحكومة الإسلامية التركية، وقطر، والسعودية.
فأرادت القوة الأكثر تنظيما بين تلك الجماعات – حركة الإخوان المسلمين – السورية، استثمار الوضع لمصلحة مشروعها السياسي في (أسلمة وأخونة) الثورة والمعارضة، وبدأت باستقبال مجموعات مسلحة وبينها عناصر راديكالية من مختلف الدول الإسلامية باسم نصرة الثورة السورية، وبذلك أصبحت سوريا الدولة الأكثر إغراقا بالجماعات المسلحة الأجنبية، وتحولت الساحة السورية إلى ميدان لصراع القوى الأجنبية عبر الاحتلالات العسكرية لدول عظمى وكبرى وصغرى، حول النفوذ والمصالح، ومرتعا للميليشيات العابرة للدول والقوميات والمذاهب.
وكان للكرد أيضا حصة بوفود مسلحي – ب ك ك – من مركز – قنديل – وتركيا، والعراق، وإيران، بعد الاتفاقية الثانية المبرمة بين اللواء آصف شوكت، ومركز قنديل بوساطة من كل من الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، وقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني – قاسم سليماني.
إشكالية المقاتلين الأجانب
قبل كل شيء، يجب التمييز بين نوعين من المقاتلين الأجانب الذين حلوا بسوريا:
الأول – من الذين وفدوا عبر النظام البائد، وبناء على اتفاقيات وتفاهمات، وبهدف نصرته.
الثاني – من الذين جاؤوا وحاربوا مع الثورة ضد النظام، وهذه الفئة الأخيرة هي موضوع بحثنا الآن.
حيث تناولت وسائل الإعلام أن بضع مئات من – الإيغور – الصينيين الذين كانوا في صفوف – جبهة النصرة – قد تم تسوية أوضاعهم بالتفاهم بين حكومة دمشق والدول الغربية، ودمجهم بالجيش السوري، والمبرر أن بقاءهم أفضل وأأمن من طردهم إلى خارج سوريا، إضافة إلى العامل الإنساني.
وكما أرى، فإن تجربة الثورة الكوبية بهذا المجال نموذج يمكن الاقتداء به، حيث يترك الخيار للشخص المعني الذي قاتل في صفوف الثورة، إما المغادرة، أو البقاء بشرط الخضوع لجميع بنود قوانين الدولة، والالتزام بسيادتها، وسلامة شعبها، وقبول الاندماج بالمجتمع الجديد.
ما لفت نظري هو مقارنة بعضهم – عن غباء أو نية مبيتة – تلك المجموعة القادمة من بلاد الصين بالكرد السوريين، متناسين أن الكرد شعب من السكان الأصليين، وسوريا بلادهم، لهم حق تقرير مصيرهم السياسي والإداري بسوريا الجديدة الواحدة، أما المجموعة فهي عناصر مهاجرة حديثا ولا تقيم على أرضها.
بطبيعة الحال هناك العديد من وجهات النظر، البعض منها واقعية وإنسانية، وأخرى مغالية ومزايدة وعنصرية، ولكن لا شك أن أمر المقاتلين الأجانب بصفوف الثورة لا يقتصر على بضع مئات من – الإيغور – ويدخل في عداد القضايا الوطنية وفي صلبها، ولابد من معالجتها عبر مؤسسات تمثل الشعب السوري مثل البرلمان المنتخب المنتظر، وفي كل الأحوال سوريا بلد متعدد القوميات، والثقافات، والأديان بوجود – الإيغور – وبدونهم.