الاتحاد الديمقراطي: فرصة تاريخية لتصحيح المسار ب. ي. د، ما له وما عليه… من الهيمنة إلى التراجع الممكن!

إبراهيم اليوسف

مشروع المانيفست الأول

لا يمكن لأي باحث منصف أن يغضّ الطرف عن المأساة المتواصلة التي يعيشها الكرد في سوريا منذ أكثر من قرن، خصوصاً بعد تقويض نواة ومشروع كيانهم الإداري عقب اتفاقية سايكس بيكو “1916” ثم لوزان “1923”. وإذا كانت الحكومات المتعاقبة على دمشق قد استباحت الكرد وجوداً وحقوقاً وهويةً، فإنّ مرحلة ما بعد 2011 شهدت تمظهراً جديداً للهيمنة، هذه المرة من الداخل، تمثل في فرض بعض كوادر حزب العمال الكردستاني أنفسهم على القرار الكردي في سوريا، من خلال ذراعهم العسكري والسياسي، وبتجاوز لإرادة كرد سوريا.

لقد تمكّن بعض هؤلاء الكوادر، أصحاب الأجندة الضيقة، لا حزب الاتحاد الديمقراطي ذاته كإطار كردي سوري مأمول، من احتكار القرار الكردي، مستفيدين من فراغ السلطة، وسند عسكري دولي مسوغ آنذاك في سياق الحرب على داعش. غير أنّ هذا الدعم تحوّل لاحقاً إلى غطاء سياسي شرّع انتهاكات عديدة، ليس أقلها التلاعب بخطاب التجنيد الطوعي، الذي ما لبث أن تحول إلى تجنيد إجباري، مروراً بسياسات أمنية ضاغطة، نسفت العلاقات بين الكرد أنفسهم، كما أضعفت الروابط مع الشركاء السوريين الآخرين، وفتحت الباب لتشويه صورة الكرد واستخدام حزب العمال كذريعة للتحريض عليهم.

وإذا كانت هناك من منجزات تُذكر في مقاومة الإرهاب أو إدارة المناطق الكردية، فإنّ هذه المنجزات تعود لدماء كرد سوريا، ولتضحيات الكردستانيين المؤمنين بحلم كردستان، لا لبعض المهيمنين من كوادرحزب العمال الكردستاني، الذي لطالما استغل القضية الكردية كجسر لأهدافه التنظيمية، دون إيمان حقيقي بمشروع كردي جامع، كما جاء التأكيد الأخير على هذا الكلام الذي طالما رددناه، وتم التحريض علينا، وذلك بعد إعلان مشروع أوجلان الجديد، رغم بعض وجوهه الإيجابية في حال تطبيقه. وقد ترك الحزب، بتدخلاته، تلك، جراحات وندوباً وهوّةً عميقة بين الكرد السوريين أنفسهم، وبينهم وبين محيطهم المكوني” السوري”، ما يجعل من استمرار العلاقة على النحو القائم عبئاً لا يمكن الدفاع عنه.

ومع مباركتنا الاتفاق الكردي على وفد واحد، ورغم كل الملاحظات التي يمكن أن تقال، باعتبار النقد جد ضروري، في زمانه ومكانه لكن المناسبين، إلا أنه وفد موحد، ويشكل قاعدة يمكن البناء عليها. والدفاع عن هذا الوفد وعدم التشكيك به هو ضرورة قومية ووطنية وإنسانية. وهنا، فإن المراجعة من قبل ب. ي. د تتطلب أمراً مهماً، ألا وهو: التشبث بوحدة الكرد، بعد أن كان ب. ك. ك ينسف أي تقارب، ويؤزم خطاب الكراهية ضد الكرد غير المنضوين زوراً عبر آلته التضليلية. ولا أعمم على ب. ك. ك كحزب الأبطال، بل أشير إلى بعض قياداته المهيمنة، المحرفة للوئام والكردستانية جميعها التي دفعنا، في أجزاء كردستان، والشتات، في آن واحد، ضريبة تهورها عقوداً طويلة.

لهذا، فإن العودة إلى المسار الطبيعي لحزب الاتحاد الديمقراطي، كحزب كردي “سوري” خالص، والتخلص من كل الآثار السلبية لفكر وسياسات ب ك ك، بات ضرورة مصيرية. عليه أن يتحرر من التبعية للوصاية التنظيمية الخارجية، وأن يتحول إلى مؤسسة كردية في سوريا ـ ولو ضمن الخريطة المصطنعة لهذه الأخيرة، تؤمن بالحوار مع الشركاء، وتسعى لإحقاق الفيدرالية- التي لاغنى عنها ولا بديل لها- بوصفها مطلباً مشروعاً، لا انفصالياً، كما تروج الأبواق المأجورة.

ولا يعني هذا الانفصال الانكفاء أو الانغلاق، فكل حزب كردي، في أي جزء من كردستان، مدعوٌ للتعاطف والتعاون مع بقية الأجزاء، كما يفعل إقليم كردستان، شرط ألا يُمارس أي جزء وصايته على الآخرين، أو يصادر قرارهم السياسي والاجتماعي والثقافي.

ولعل الاتفاق الكردي الداخلي، عبر تشكيل وفد موحد يطالب بحقوق الشعب الكردي، يمثل الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، إذ يعكس تحوّلاً في المزاج العام نحو الشراكة، لا الوصاية، ويؤسس لبنية تفاوضية قادرة على إقناع الداخل والخارج بأن الكرد لا يطلبون أكثر من حقهم الطبيعي في إدارة شؤونهم، ضمن سوريا لا مركزية، ديمقراطية، حرة.

المرحلة القادمة تتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة، ليس في مواجهة الخارج فحسب، بل في مواجهة الذات أيضاً. إن مراجعة تجربة المرحلة السابقة، والنقد الجريء لما شابها من تدخلات، لا يعني التخلي عن مكاسب الكرد، بل صونها من التبديد. فما بُني على تغييب الآخر، لا يدوم. وما تأسس على القطيعة، لا يثمر.

وقد آن أوان الاستفادة من تجربة إقليم كردستان، التي استطاعت عبر توحيد الصفوف وتوزيع الأدوار السياسية، أن تُحقق إنجازات تنموية ودبلوماسية كبيرة، وجعلت من الإقليم، رغم التحديات، فضاءً يشبه دبي، من حيث الحضور والانفتاح والفاعلية.

إن الكرد السوريين اليوم أمام مفترق طرق: إما تصحيح المسار والانطلاق من جديد، بوحدة خطاب، واعتراف متبادل، وتخلي حقيقي عن منطق الوصاية، وإما تكرار أخطاء الماضي التي أفقدت الكرد، على مر العقود، فرصاً تاريخية كان من الممكن أن تُنتج واقعاً مختلفاً تماماً.

إن اللحظة راهنة، والفرصة قائمة، فهل يفعلها الكرد، ويفتحون الباب أمام مستقبل يستحقونه؟

6-6-2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…