هل يمكن اعتبار معاناة الفلاحين في إقليم شمال وشرق سوريا مؤشراً لاندماجها مع سلطة دمشق ؟

صالح بوزان ـ دادالي 

 

على مدى أربعة عشر عامًا من الأزمة السورية، عانى شعب روجآفا من الحروب والتهجير واحتلال، وواجه مختلف أشكال العدوان، وخاصة الاحتلال التركي. ورغم كل ذلك، استطاع الشعب الكردي لأول مرة في تاريخه داخل سوريا أن يدير شؤونه بنفسه، ويصل صوته إلى مراكز القرار العالمي.

لكن اليوم، وبعد سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، وتسلم هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني “أحمد الشرع” السلطة في دمشق ضمن ترتيبات دولية، بدأت الضغوط تتزايد على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) لحل نفسها ودمج مؤسساتها ضمن سلطة دمشق. ومع تسارع خطوات الإدارة نحو دمشق، وتوقيع الاتفاقيات وتشكيل اللجان المشتركة، يبرز تساؤل جوهري: هل ما يجري هو تمهيد لاندماج فعلي وانتهاء مشروع الإدارة الذاتية؟

المعطيات الحالية تشير بوضوح إلى تآكل مكتسبات الشعب، وغياب أي إشارات لاحترام تضحيات من قدموا حياتهم فداءً لهذا المشروع. والأسوأ أن الإدارة، بدلاً من تعزيز صمود الأهالي، تتجه إلى فرض سياسات اقتصادية مجحفة، كرفع أسعار المحروقات والخبز وسلع أساسية أخرى، ناهيك عن الفساد المستشري ضمن مفاصل الإدارة على حساب دماء أبناء روجآفا.

ولا سيما أن الموسم الزراعي لهذا العام يُعد من أسوأ المواسم في السنوات الأخيرة ، نتيجة شح الأمطار وارتفاع أسعار المازوت، ما تسبب في ضعف كبير في الإنتاج، والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المواطنون .

ورغم هذه الظروف الصعبة، ومع بدء موسم الحصاد وفتح مراكز استلام القمح، لم تعلن الإدارة الذاتية حتى الآن عن أي تسعيرة رسمية للقمح أو الشعير، ما يزيد من حالة القلق والغموض لدى الفلاحين والمزارعين .

وفي المقابل، كانت سلطة دمشق المؤقتة قد أعلنت عن تسعيرة للقمح، ما يثير تساؤلات جدّية: هل هذه التسعيرة هي المعتمدة عمليًا لدى الإدارة؟ أم أنها ستعلن عن تسعيرتها الخاصة فيما بعد، وتكون كسابقات قراراتها وقوانينها المجحفة بحق الأهالي؟ أو لربما سيتم استلام المحاصيل فعليًا باسم سلطة دمشق وتكون تسعيرة دمشق هي المعتمدة، ولكن دون إعلان رسمي عن ذلك؟

هذه الأسئلة تعكس حجم الغموض والتخبط، وتثير مخاوف حقيقية من ذوبان مشروع الإدارة الذاتية تدريجيًا ضمن منظومة السلطة الجديدة في دمشق، دون شفافية أو وضوح مع الجمهور الذي ضحّى من أجل هذا المشروع.

هولير ٦ / ٦ / ٢٠٢٥

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

علي جزيري يُحكى أن (حسان) ابن رئيس «الجمهورية السورية» شكري القوتلي تأخر عشر دقائق عن الدوام المدرسي ذات يوم، بيد أن مدير المدرسة (جودت الهاشمي)، أنّبَهُ وأعطاه كتاباً ممهوراً بختم المدرسة، يطلب فيه ضرورة إحضار ولي أمره، ولبى حسان حينئذ أمر المدير، لكنه عاد إلى البيت مكسور الخاطر، فاستغربت والدته عودة ابنها الوحيد في ذاك الوقت المبكر، وحين…

صلاح بدرالدين مدخلالى جانب الانشغال اليومي بامور وشؤون الكرد السوريين كمهام لها الاولوية من خلال النضال في سبيل رفع الاضطهاد القومي، والاجتماعي، والسياسي عن كواهلهم، واستعادة حقوقهم القومية، والمساهمة في النضال الوطني العام من اجل الديمقراطية، والتقدم، ومواجهة الاستبداد، كان الهم القومي – الكردستاني – لم يفارق مشاعر جيلنا والذي من قبلنا، ليس كموقف سياسي عابر…

إبراهيم اليوسف الوطن في أرومته قبل الخريطة في حبرها أحدهم   لم يبدأ مشروع “الشرق الأوسط الكبير” من مقاعد البيت الأبيض، بل تسرّب ببطء من: غرف التفكير، مراكز البحوث، خرائط الجيوبوليتيك، وأقلام من ظنّوا أن المنطقة لا تستحق حدودًا ثابتة، وفق تصورات القطب الثاني الموازي بل المعادي للاتحاد السوفياتي السابق، كقطب قوي عملاق، قبل انهياره التاريخي. إذ إن…

شيرزاد هواري   تشهد منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة تصعيدات عسكرية متسارعة تقودها إسرائيل، مدعومة من حلفائها التاريخيين، في مشهد يشي بتحولات استراتيجية عميقة. هذه التطورات لم تأتِ من فراغ، بل تبدو كحلقة متقدمة من مسار طويل ابتدأ منذ ما يزيد عن قرن، مع توقيع اتفاقية سايكس – بيكو التي قسّمت إرث الإمبراطورية العثمانية على أسس استعمارية، دون أدنى…