توقيعا السيدين أحمد الشرع ومظلوم عبدي… تحت المجهر

عنايت ديكو

 

حول ماهية التواقيع

أعتقد أن التوقيع الشخصي يمثل قيمة رمزية وهوية سيميائية للإنسان، وترجمة نفسية ورمزية واختزالية لحضوره في هذه الحياة. يحاول الإنسان، من خلال اختياراته في بناء توقيعه وشكله ونمطه الفني، أن يخلق هوية شخصية لنفسه، فيعتمد على الأشكال، واللغة، والحروف، والاتجاه، والحركات، والأحجام، وغيرها. فعندما يخطّ توقيعه على ورقة، فإنه يسقط حضوره الشخصي والنفسي والوجودي، ليقول: “أنا هنا، وأنا مسؤول عن كل حركة في بناء هذا التوقيع”.

إن التوقيع يُعد شكلاً من أشكال التشفير الرمزي والخصوصية الذاتية المستترة.

فلنتوجّه الآن إلى موضوعنا، إلى توقيعي السيدين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، على لوحة “اتفاقية 10 آذار” بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية المؤقتة في دمشق، والتي أنهت صراعاً كبيراً في سوريا بين قوتين عسكريتين فاعلتين.

في باب السؤال والاستفسار:

شخصان سوريان، أحدهما عربي والآخر كردي، كلاهما يحملان ثقافة عربية، وتلقّيا تعليمهما في المدارس السورية العربية، وكلاهما ينحدران من بنية لغوية وثقافية وحروفية عربية… فلماذا وقّعا على الاتفاقية باستخدام الحروف اللاتينية بدل العربية؟

إلى ماذا يشير هذا الفعل؟ وما الذي يوحي به هذا الخيار الرمزي في إسقاط الحروف اللاتينية على توقيعيهما؟

تحليل أولي:

  1. الانفتاح الثقافي والعالمي:

إن هذا النمط في رسم التوقيعين، بالحروف اللاتينية، يعكس انفتاحاً شخصياً وثقافياً على الفضاء الغربي، وإحساساً مستتراً بالانتماء إلى عالم أكثر رحابة وعولمة.

  1. النزعة الكوزموبوليتانية:

يبدو أن السيدين أحمد الشرع ومظلوم عبدي يريان في نفسيهما شخصيتين عالميتين، تسعيان إلى تقديم صورة عصرية وحداثية عن الذات.

  1. تمرّد ثقافي غير معلن:

يحمل توقيعهما عناصر تمرّد على البيئة التقليدية والمجتمعية، ورفضاً غير مباشر للأنماط الكلاسيكية القديمة في التعبير عن الذات.

  1. تميّز رمزي وخروج عن السياق:

استخدام الحروف اللاتينية قد يكون تعبيراً عن رغبة في التميّز والاختلاف، وربما يعكس شعوراً بعدم الانسجام مع المحيط السياسي والثقافي المحلي، وسعياً نحو فضاء ذاتي مستقل.

  1. عن حجم التوقيع:

ثمة اعتقاد شائع بأن التوقيع الكبير يدل على ثقة مفرطة بالنفس وربما الغرور (كما في حالة ترامب)، بينما يشير التوقيع الصغير إلى التواضع أو الحذر.

تحليل توقيع السيد أحمد الشرع

يتكون توقيعه من حروف عربية ولاتينية منحنية وسلسة، بحجم متوسط، ويظهر فيه توازن نسبي بين الارتفاع والانخفاض. في أسفل التوقيع خط أفقي طويل يشبه السهم المغمد، وكأنه يرسم طموحاً مستقبلياً أو توجهاً نحو “التحكم بالمصير”.

التوقيع يوحي بشخصية قيادية ذات نزعة لفرض الرؤية، تسعى لتقديم ذاتها كعابرة للهوية المحلية. تداخل الحروف العربية واللاتينية يدل على رغبة في التوفيق بين الثقافتين، لكنه في الوقت نفسه يعكس غموضاً في طرح الهوية، أو رغبة في استخدام هذا الغموض كوسيلة للتأثير.

تحليل توقيع السيد مظلوم عبدي

توقيعه مكتوب بالحروف اللاتينية، كبير الحجم، مضغوط، متراكب، ذو زوايا حادة، وخطوط متشابكة، ما يعكس توتراً كامناً وحساً عالياً بالتحفظ والحذر.

النقطة الصغيرة أسفل التوقيع يمكن اعتبارها رمزاً دفاعياً، توحي بالدقة والتركيز على التفاصيل، وربما تعكس حرصاً على الجذور والثوابت. التركيب المعقّد للخطوط يشير إلى شخصية سياسية تكتيكية، تسعى إلى حماية نفسها، وتتحرك بدهاء وانضباط.

هذا التوقيع يعكس مزيجاً من الحذر الميداني، والهوية العالمية، والتعبير الخاص جداً.

ملاحظات ختامية

التوقيع بالحروف اللاتينية ضمن السياق العربي الرسمي هو فعل رمزي وسياسي بامتياز، موجّه غالباً نحو الخارج، أكثر من كونه تعبيراً داخلياً.

كلا التوقيعين يعبّران عن وعي ذاتي عالٍ بالسلطة والموقع، وعن رغبة في كسر الإطار التقليدي.

الخلاصة:

إذا كان الإنسان عربياً، أو ينتمي إلى سياق عربي رسمي، ويستخدم الحروف اللاتينية في توقيعه، فذلك قد يشير إلى شعوره بكونه عابراً للهويات، أو “كوزموبوليتانياً”، يحمل دافعاً داخلياً للتميّز والخروج من النسق الكلاسيكي السائد.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

علي جزيري يُحكى أن (حسان) ابن رئيس «الجمهورية السورية» شكري القوتلي تأخر عشر دقائق عن الدوام المدرسي ذات يوم، بيد أن مدير المدرسة (جودت الهاشمي)، أنّبَهُ وأعطاه كتاباً ممهوراً بختم المدرسة، يطلب فيه ضرورة إحضار ولي أمره، ولبى حسان حينئذ أمر المدير، لكنه عاد إلى البيت مكسور الخاطر، فاستغربت والدته عودة ابنها الوحيد في ذاك الوقت المبكر، وحين…

صلاح بدرالدين مدخلالى جانب الانشغال اليومي بامور وشؤون الكرد السوريين كمهام لها الاولوية من خلال النضال في سبيل رفع الاضطهاد القومي، والاجتماعي، والسياسي عن كواهلهم، واستعادة حقوقهم القومية، والمساهمة في النضال الوطني العام من اجل الديمقراطية، والتقدم، ومواجهة الاستبداد، كان الهم القومي – الكردستاني – لم يفارق مشاعر جيلنا والذي من قبلنا، ليس كموقف سياسي عابر…

إبراهيم اليوسف الوطن في أرومته قبل الخريطة في حبرها أحدهم   لم يبدأ مشروع “الشرق الأوسط الكبير” من مقاعد البيت الأبيض، بل تسرّب ببطء من: غرف التفكير، مراكز البحوث، خرائط الجيوبوليتيك، وأقلام من ظنّوا أن المنطقة لا تستحق حدودًا ثابتة، وفق تصورات القطب الثاني الموازي بل المعادي للاتحاد السوفياتي السابق، كقطب قوي عملاق، قبل انهياره التاريخي. إذ إن…

شيرزاد هواري   تشهد منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة تصعيدات عسكرية متسارعة تقودها إسرائيل، مدعومة من حلفائها التاريخيين، في مشهد يشي بتحولات استراتيجية عميقة. هذه التطورات لم تأتِ من فراغ، بل تبدو كحلقة متقدمة من مسار طويل ابتدأ منذ ما يزيد عن قرن، مع توقيع اتفاقية سايكس – بيكو التي قسّمت إرث الإمبراطورية العثمانية على أسس استعمارية، دون أدنى…