بين جندي وجلاد: إعادة تدوير الكارثة باسم الدولة

خوشناف سليمان

 

ثمّة شيء مريب يحدث حين يرتدي التطرف بزّةً نظامية ويجلس على مقعد القانون. حين تُعاد الفصائل الجهادية إلى المسرح لا بصفة خصوم بل كحماة فإننا لا نتقدّم نحو الدولة بل نحو نسختها المشوّهة.
في مقاله الأخير أشار الاستاذ إبراهيم اليوسف إلى مفارقة دامغة: كيف يتحوّل من استخدم الدين سيفا إلى عنصر نظامي
كيف نقنع السوري بأن مَن طارده في إدلب أو أذاقه العذاب في دير الزور بات فجأة ممثلًا عن الثورة أو حارسا للوطن
إن عملية دمج عناصر تحرير الشام و من شابهها في تشكيلات عسكرية كالفرقة 84 ليست مجرد مناورة عسكرية بل فعل سياسي خطير يخرق الدستور ويمتهن ذاكرة السوريين ويعيد تعريف الجريمة كـتكتيك مرحلي
من يتحدّث عن تكامل عسكري يغفل عن أن هذه الفصائل لا تنتمي لثقافة القانون بل لعقيدة الولاء والغنيمة. و أن إعادة توظيفها ليس قطيعة مع العنف بل إعادة برمجة للكابوس بلغة مؤسسية هذه المرة.
في هذه العملية لا يساء فقط إلى الضحايا بل إلى فكرة الدولة نفسها. إذ لا يُبنى وطن على مواد خام مشبعة بالكراهية و لا على حاملي رايات عابرة للحدود. فالقانون لا يعرف راديكاليات منزوعة اللحية ولا يعترف بالتوبة على الورق.
المفارقة أن من قاوموا النظام حقًا من دفعوا أعمارهم في الساحات والسجون يقصون اليوم من المشهد بينما يستدعى جلادو الأمس ليؤدوا دور المنقذ و هذا ليس خطأ في التكتيك بل خيانة في الاتجاه.
الأسوأ من هذا كله هو الصمت. ذلك النوع من الصمت الذي لا يبرّره سوى الخضوع للقرار الخارجي أو التواطؤ الخجول. صمت لا يليق بثورة و لا بثمن دُفع بدماء الناس.
إعادة تدوير التطرف أيا كانت يافطته هو تفخيخ للمستقبل باسم الدولة. والدولة التي تعيد إنتاج أدوات موتها لا تبنى بل تجهز على من تبقى فيها من أمل.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

علي جزيري يُحكى أن (حسان) ابن رئيس «الجمهورية السورية» شكري القوتلي تأخر عشر دقائق عن الدوام المدرسي ذات يوم، بيد أن مدير المدرسة (جودت الهاشمي)، أنّبَهُ وأعطاه كتاباً ممهوراً بختم المدرسة، يطلب فيه ضرورة إحضار ولي أمره، ولبى حسان حينئذ أمر المدير، لكنه عاد إلى البيت مكسور الخاطر، فاستغربت والدته عودة ابنها الوحيد في ذاك الوقت المبكر، وحين…

صلاح بدرالدين مدخلالى جانب الانشغال اليومي بامور وشؤون الكرد السوريين كمهام لها الاولوية من خلال النضال في سبيل رفع الاضطهاد القومي، والاجتماعي، والسياسي عن كواهلهم، واستعادة حقوقهم القومية، والمساهمة في النضال الوطني العام من اجل الديمقراطية، والتقدم، ومواجهة الاستبداد، كان الهم القومي – الكردستاني – لم يفارق مشاعر جيلنا والذي من قبلنا، ليس كموقف سياسي عابر…

إبراهيم اليوسف الوطن في أرومته قبل الخريطة في حبرها أحدهم   لم يبدأ مشروع “الشرق الأوسط الكبير” من مقاعد البيت الأبيض، بل تسرّب ببطء من: غرف التفكير، مراكز البحوث، خرائط الجيوبوليتيك، وأقلام من ظنّوا أن المنطقة لا تستحق حدودًا ثابتة، وفق تصورات القطب الثاني الموازي بل المعادي للاتحاد السوفياتي السابق، كقطب قوي عملاق، قبل انهياره التاريخي. إذ إن…

شيرزاد هواري   تشهد منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة تصعيدات عسكرية متسارعة تقودها إسرائيل، مدعومة من حلفائها التاريخيين، في مشهد يشي بتحولات استراتيجية عميقة. هذه التطورات لم تأتِ من فراغ، بل تبدو كحلقة متقدمة من مسار طويل ابتدأ منذ ما يزيد عن قرن، مع توقيع اتفاقية سايكس – بيكو التي قسّمت إرث الإمبراطورية العثمانية على أسس استعمارية، دون أدنى…