عمر كوجري
قبل أن تبدأ المفاوضات بين الوفد الكردي والحكومة السورية، أعني الوفد الذي من المزمع تشكيله كونه من مخرجات كونفرانس قامشلو، والجلوس معاً على طاولة النقاش حول حقوق الكرد، وانتظار ما ستتمخّضُ عنه اللقاءات، متامّلين أن تكون معبّرة عن تطلُّعات الكرد خصوصاً، والسوريين بصورة عامة.
هاهي إشارات التناغم والتوافق تلوح، وهي مشجّعة ومبشّرة بخير أعم، ومن أين؟ من وزارة الإعلام السورية، هذه الوزارة التي كانت تمثل الرعب الحقيقي للمثقفين الكرد طيلة عهد البعث ونظام الأسدين لعدّة عقود.
وزارة إعلام النظام السوري البائد، كانت تمنع عن سبق عنجهية، وتسدُّ أي أفق مهما كان صغيراً وواهناً وتطبّق استبداد البعث بحذافيره.
فبحكم قربي من جو الإعلام والكتابة والنشر، وطباعة الكتب الكردية بشكل سري، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، عرفتُ عن قرب بعض هذه النماذج التي حاربت الإعلامي الكردي، والإعلام الكردي بشكل رهيب، فمن مئات موظفي الوزارة، وإداراتها في المحافظات، وإعلامييها ومنتسبيها في الخارج ربما لم يتعدّ عدد الموظفين الكرد من الإعلاميين أصابع اليد الواحدة رغم وجود طاقات كردية كبيرة، حتى كلية الإعلام وقفت في وجههم، فلسنوات طوال كان الانتساب إليها، والدراسةُ محصورةٌ على الطلبة البعثيين.
في عهد نظام البعث، تحوّلت وزارة الإعلام، وغيرها من الوزارات إلى وكرٍ أمنيٍّ يبثُّ الرعبَ والخوفَ في جنباته، فكان ممنوعاً على اتحاد الكتاب العرب، ووزارة الإعلام منح الموافقة على طباعة كتب باللغة الكردية، أو تقترب من الهمّ الكردي بالعربية، وأقصى ما أبدى أحد المدراء من مرونة في هذا الجانب أنه لا يعطي الموافقة الرسمية على طباعة كتاب ما بشكل صريح، بل (وهذا ما حصل معي) أن المسؤول عن ملف الموافقات كان يقول: روحوا اطبعوا، وقولوا للمطبعة أبو فلان لديه علم، أو للضرورة ليتّصل بي، وهذا أقصى تسهيل ظفرنا به، وكان هذا على نطاق بالغ الضيق، وفي وقت قصير، واستمرت حملاتنا لطباعة الكتب بأسعار غالية، وباستغلال كبير من أصحاب المطابع وبمغامرة دفعنا ثمنها سجننا في المعتقلات، ولدي من الزملاء أسماء شجاعة عديدة.
قبل أيام صرّح وزير الإعلام السوري أن الوازرة قد “تقوم بإدراج اللغة الكردية في النشرات الإخبارية في التلفزيون السوري، وهذا الأمر قيد الدراسة، وقال نتبنى نهجاً انفتاحياً، ونعترف بالتنوُّع اللغوي والثقافي، وبعد هذا التصريح، أعلنت وكالة سانا عن رغبتها بتوظيف عدد من الموظفين باللغة الكردية للعمل في التحرير بالإدارة المركزية بدمشق.
هذه الخطوةُ الاستباقيةُ من طرف الحكومة السورية والمتمثلة في وزارة الإعلام، هي مثار ترحيب لنا، ونتمنّى أن تستمرَ الوزارةُ وغيرها من وزارات الدولة بخطوات أكبر، والنظر للكرد كشركاء حقيقيين، وأصلاء من أهل المكان، ومحو كلّ السياسات الرعناء التي مورست بحقّهم من التجاهُل، والتنكيل، والترهيب، والسجن والمطاردة، وعدم الاعتراف بلغتهم وثقافهم وهويتهم القومية.
وأما القول إننا لا نحتاج إلى هذه الفسحة “غير الوارفة” والضيّقة، كوننا نحن الكورد نمتلكُ حالياً عشرات الفضائيات، وباقي وسائل الإعلام، فهذا لا يتيح لنا التبرير ألا نشيدَ بخطوة وزارة الإعلام، ونشجعها طامحين بالمزيد.
=============
كوردستان العدد 753