جوان يوسف
في المشهد السياسي، كثيراً ما نلحظ تبدلات مفاجئة في مواقف بعض السياسيين والمثقفين، دون أن تصاحبها مراجعة علنية أو استناد إلى معطيات جديدة. يُسوّق البعض لهذا التغيّر باعتباره دليلاً على “الذكاء السياسي” أو “المرونة”، في حين أنه – في كثير من الأحيان – لا يتعدى كونه تعبيراً عن الانتهازية أو ضعف البوصلة القيمية.
المرونة السياسية – كما يعرّفها المفكر الألماني ماكس فيبر – هي قدرة الفاعل السياسي على التكيّف مع المتغيرات دون التفريط بالمبادئ الأساسية. أما التخلي عن المواقف الجوهرية دون نقاش علني أو تفكيك معرفي، فهو انزلاق نحو البراغماتية المفرطة التي تُفرغ السياسة من بعدها الأخلاقي.
وقد حذّر المفكر الفرنسي ريمون آرون من هذا النمط من السلوك حين قال إن “السياسي الذي يبدّل مواقفه كما يبدّل معطفه، قد ينجو مرحلياً، لكنه يفقد ثقة المجتمع على المدى الطويل”. هذا النوع من التبدّل غير المبرر يُضعف مصداقية الخطاب السياسي ويُكرّس فقدان الثقة بين النخب والجمهور.
أما الفيلسوف أنطونيو غرامشي، فقد فرّق بوضوح بين “المرونة الاستراتيجية” و”التذبذب التكتيكي”، مؤكداً أن القيادة الفكرية الحقيقية تقوم على قراءة الواقع من منظور مبدئي، لا من موقع التكيّف الانفعالي مع الضغوط الآنية.
إن الذكاء السياسي الحقيقي لا يكمن في تبديل المواقع كلما تغيّر اتجاه الريح، بل في القدرة على بناء موقف متماسك يستند إلى تحليل متجدد ومعطيات واقعية، دون التفريط بالبنية الأخلاقية للموقف. فالمبدأ ليس جماداً، لكنه أيضاً ليس مادة مطاطية تُشكّل بحسب الحاجة.