شيرزاد هواري
في صباح مشبع بالأسئلة الثقيلة، يطل شاهين الأحمد كمَن يعكر صفو الخطابات المعتادة، ليعيد ترتيب زوايا النقاش السياسي حول سوريا بطريقة مشاغبة ولكن ضرورية. ليست مشاغبته خفة ظل إعلامية، بل هي ممارسة نقدية عالية النبرة تستبطن حرصاً عميقاً على المسار السوري الانتقالي، وتسلط الضوء على التحديات البنيوية التي تواجه الإدارة المؤقتة في دمشق، لا بوصفها عوارض مرحلية، بل كاختبارات وجودية قد تحدد مستقبل الدولة السورية ككل.
بين الداخل والخارج: خيط الضرورة
يفكك الأحمد ببراعة ثنائية الداخل والخارج، لا كمسارين متوازيين، بل كخيطين متلازمين يتوجب نسجهما في لحظة سياسية دقيقة. فالدعوة إلى حوار وطني “حقيقي” ليست مجرد توصية إصلاحية بل شرط تأسيسي لأي شرعية انتقالية. الحوار هنا لا يعني فقط فتح القنوات بين المكونات السورية، بل يتضمن أيضًا الاعتراف بالآخر، وتصحيح انحرافات الإعلان الدستوري الحالي الذي صيغ بلون أيديولوجي واحد، لا يعكس تعددية المجتمع السوري، ولا يضمن تمثيلاً نزيهاً في بنيتي الداخلية والدفاع.
لكن دعوة الأحمد لا تقف عند تخوم الداخل، بل تفتح نوافذها نحو الخارج، حيث يرسم صورة لإدارة انتقالية لا يمكن لها أن تنجح ما لم تنأ بنفسها عن صراعات الإقليم وتبني حياداً استراتيجياً يحمي الداخل من التجاذبات الدولية. الدعم الخارجي —وخصوصاً العربي— لا يُطلب عبر استجداء سياسي، بل يُكتسب عبر مشروع وطني مستقل قادر على فرض شروطه لا الخضوع لشروط الآخرين.
الإرادة السياسية: سؤال الجوهر
وهنا يكشف الأحمد عن جوهر الإشكال: المسألة ليست فقط في التحديات، بل في “امتلاك القرار السياسي”. فالمعادلة السورية الراهنة، كما يقرأها، لا تنقصها الحلول التقنية، بل تفتقر إلى إرادة فاعلة قادرة على ضبط التدخلات الخارجية. إن أي مشروع انتقالي لا يمتلك قراره السيادي، يظل هشاً وعرضة للارتهان مهما كانت شعاراته براقة.
مشاغبة لا بد منها
ليست مشاغبة شاهين الأحمد ترفاً فكرياً في صباح باكر، بل هي تعبير عن قلق معرفي مشروع، ونقد تأسيسي لسلطة انتقالية بدأت تتشكل في ظل فراغ ثقة واسع. وما يطرحه ليس سوى محاولة لتأسيس عقل سياسي جديد يعيد الاعتبار لفكرة “الدولة”، لا كسلطة أمنية أو تحالف أيديولوجي، بل كعقد وطني جامع يُعاد صياغته بإرادة السوريين لا باسمهم.
فهل من يصغي؟