اللامركزية والفيدرالية: بين التخفيف من السلطة والتوزيع العادل لها نظرة في الحقوق الكوردية

ماهين شيخاني

 

في خضم الحديث المتكرر عن “الحل السياسي في سوريا”، تتكرر مصطلحات مثل “اللامركزية” كصيغة مطاطة تُقدَّم كحل وسط بين مطالب المكونات القومية والواقع المركزي للدولة. لكن هذه الكلمة، رغم نعومتها اللغوية، لا تطمئن الأذن الكوردية، بل تبدو كبديل مراوغ، يُطرح بخبث سياسي لإفراغ المطالب القومية من مضمونها الحقيقي.

ما الفرق؟

اللامركزية: هي نمط من أنماط إدارة الدولة، يتم فيه تفويض بعض الصلاحيات الإدارية إلى المحافظات أو الأقاليم، ولكن تبقى السيادة موحدة والسلطة العليا بيد المركز. وهي قد تكون إدارية فقط (تخص التعليم، الصحة، البلديات… إلخ) أو موسعة قليلاً بصلاحيات تنفيذية أوسع، لكنها لا تضمن استقلالًا تشريعيًا أو سياسيًا حقيقيًا.

الفيدرالية (الاتحادية): هي نظام سياسي ودستوري تتوزع فيه السيادة بين المركز والوحدات المكونة (أقاليم أو ولايات)، بحيث تمتلك هذه الوحدات سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية خاصة بها، وتتمتع بهوية سياسية معترف بها ضمن الدستور الوطني، مع تمثيل في المؤسسات الاتحادية العليا.

لماذا لا تكفي اللامركزية؟

اللامركزية، كما تُطرح في الخطاب الرسمي السوري وبعض أوساط المعارضة، تحاول تجميل الوجه القديم للدولة المركزية بطلاء جديد. هي أشبه بـ”توزيع المهام” لا “توزيع للسلطات”، ولا تعترف بالواقع التعددي القومي، بل تضعف أدوات السيطرة المركزية دون أن تمنح للشعوب حقوقها.

بالنسبة للكورد، الذين يشكلون ثاني أكبر قومية في البلاد، فإن الحقوق اللغوية، الثقافية، والإدارية لا تكفي وحدها. ما يريده الكورد ليس مجرد تحسين شروط الخدمة في مناطقهم، بل الاعتراف السياسي بهم كشعب له خصوصيته، وتاريخه، وحقه في تقرير مصيره ضمن إطار الدولة الواحدة.

ما الأنسب لضمان الحقوق الكوردية؟

إن التجربة الكوردية في العراق، رغم كل ما يشوبها، أثبتت أن الفيدرالية وحدها قادرة على توفير إطار سياسي يُمكّن الشعب الكوردي من إدارة شؤونه، وحماية لغته، وتطوير اقتصاده، وتمثيله في الخارج ضمن دولة اتحادية ديمقراطية. الفيدرالية لا تعني الانفصال، بل هي الضامن الأهم لوحدة الدولة عبر توزيع عادل للسلطة والموارد.

خلاصة:

“اللامركزية” قد تكون مقبولة كمرحلة انتقالية أو كصيغة تجميلية، لكنها لا تصلح كأساس لحل تاريخي عادل للقضية الكوردية. وحدها الفيدرالية الديمقراطية تُوفّر الأمان القانوني والسياسي للشعب الكوردي، وتضمن العدالة لبقية المكونات في سوريا المستقبل.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…