نظرة على 46 عامًا من حكم ولاية الفقيه في إيران

نظام مير محمدي *

 

لم يکن النظام الإيراني في بدايات تأسيسه يکتفي بجعل إيران فقط کبلد لتطبيق نظرية ولاية الفقيه وإنما خطط  من أجل أن يتم إستنساخه وتطبيقه في باقي بلدان المنطقة وکان هذا النظام يعتقد بأن الاجواء التي سادت في بدايات تأسيسه (حيث الشعب الإيراني لا يزال لم يعرف هذا النظام على حقيقته) سوف تستمر، لکن الذي حدث بعد ذلك أصاب النظام بالصدمة ولاسيما بعد تزايد رفض وکراهية الشعب للنظام ووصوله الى حد إندلاع إنتفاضات شعبية شاركت فيها ما يزيد عن المليون إيراني.

إستمرار الرفض والکراهية الشعبية المتزايدة للنظام وممارساته وطريقة واسلوب تسويقه للأفکار والمفاهيم التي يريد فرضها کأمر واقع على الشعب الإيراني کان يعني وبصورة واضحة إن الشعب يرفض نظرية ولاية الفقيه وإنها قد وصلت الى طريق مسدود، غير إن العقلية المتحجرة لقادة هذا النظام ورفضهم التسليم بالامر الواقع جعلهم يضاعفون من الممارسات القمعية والاعدامات لإضفاء أجواء الرعب على البلاد وثني الشعب عن مواجهة النظام.

الملاحظة المهمة هنا، هي إن النظام إضافة الى کونه قد ضاعف من ممارساته القمعية ومن الاعدامات في داخل إيران في سبيل ترهيب الشعب الإيراني، فإنه تماهى أکثر من السابق في السعي من أجل إستنساخ نظرية ولاية الفقيه المرفوضة إيرانيا وتطبيقها في بلدان المنطقة وذلك من خلال أحزاب وميليشيات عميلة له قام بتأسيسها من أجل هکذا هدف مشبوه.

عند التمعن في الوسائل الاعلامية التابعة للأحزاب والميليشيات التابعة له في بلدان المنطقة، نجدها تصور الاوضاع في إيران في ظل نظام ولاية الفقيه على إنه فريد من نوعه من حيث جعل الشعب الإيراني يعيشون في تقدم ورخاء، في حين إن الحقيقة غير ذلك تماما والانکى من ذلك إن هٶلاء العملاء يصرون في وسائل اعلامهم إن کل ما يقال عن سوء الاوضاع في إيران هو محض کذب وإفتراء!

ومن الواضح إن إستمرار النظام في السعي عن طريق عملائه في بلدان المنطقة من أجل تطبيق نظرية ولاية الفقيه، هو في الحقيقة من أجل إيجاد عمق سياسي ـ فکري له في بلدان المنطقة وحتى تهديد الشعب الإيراني بذلك ولمن لا يعرف ذلك فإنه وخلال السيول التي إجتاحت إيران قبل بضعة أعوام وکشفت عن ضعف البنية التحتية للنظام وإزدادت مخاوفه من إندلاع إنتفاضة شعبية ضده بسبب من ذلك فإنه قام بإستقدام بعض من الميليشات العميلة له من أجل ترهيب الشعب الإيراني وثنيه عن القيام بإنتفاضة ضده وهو الامر الذي أثار إستهجان واسع في صفوف الشعب الإيراني وکشف في ذلك الوقت کيف إن النظام قد فشل فشلا ذريعا في جعل هذه النظرية موضع تقبل الشعب.

ومن المفيد هنا التنويه على إنه  لم تعد منظومة الحكم القائمة على ولاية الفقيه في إيران، بكل ما جرته من تبعات كارثية على كافة الأصعدة، مجرد نظرية سياسية فاشلة، بل وحتى قد تحولت إلى “عبرة القرون” كما بدأت تصفها الاعترافات المتسربة من داخل أروقة النظام نفسه. وفي مثال صارخ على هذا الانهيار، ممزوج بالدهشة، جاء اعتراف أحد نواب برلمان النظام بشأن أزمة الكهرباء الخانقة، حيث صرح في 17مايو/أيار 2025 لإذاعة “فرهنك”الحکومية: “اليوم، في عام 2025، نشهد أسوأ معدلات انقطاع للتيار الكهربائي منذ قرن من الزمان”.

وتضيف إذاعة “فرهنك” في تقرير لها أن “هذه المنظومة، التي استندت في قيامها على كيانات فوق دستورية مثل الولي الفقيه وذراعه الضاربة المتمثلة في مجلس صيانة الدستور، تجد نفسها اليوم غارقة في تناقضات هيكلية متزايدة بين مكوناتها. والمفارقة أنه بعد مرور ستة وأربعين عاما على تأسيسها، تتعالى الآن أصوات من داخلها تنادي بـ”إعادة هيكلة” عاجلة، كما جاء على لسان النائب رضا سبهوند: “في بلادنا، التعارض بين الحكومة والقطاع الخاص والكيانات شبه الحكومية والمؤسسات (التابعة للولي الفقيه) عميق وهيكلي. نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب دقيقة لهيكل الحكم”!

واللافت أن هذا التقرير من داخل النظام صدر في مايو/أيار 2025، أي بعد عامين من شروع خامنئي في عملية “توحيد السلطة” المزعومة، والتي أطاح خلالها حتى بالموالين من جسد النظام لضمان برلمان وحكومة على مقاسه. وها هم الآن، النخبة التي اختارها خامنئي ومجلس صيانته، يتحدثون عن “تحديات خطيرة وحتى انسداد” في البرلمان وهيكل النظام، بما يتناقض 180 درجة مع خطابات ومواقف خامنئي.

إن رصاصة الرحمة التي أطلقت على مصداقية ومكانة الولي الفقيه في هيكل نظام الملالي، هي النتيجة الحتمية لمحاولة مد اليد من العصور الوسطى إلى القرن الحادي والعشرين لفرض “الدين الإجباري”، و”الحكم الإجباري”، و”الحجاب الاجباري” وقد جاء الرد الحتمي من غالبية الشعب الإيراني في آخر مسرحيات النظام الانتخابية في ربيع وصيف 2024، عبر مقاطعة واسعة النطاق لتٶکد وبوضوح فشل ونهاية نظرية ولاية الفقيه لحکم إيران.

*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…