“اللامركزية خدعة .. الكورد يريدون الفيدرالية الحقيقية”

خالد حسو

الحديث اليوم عن قيام النظام اللامركزي في سوريا ليس مجرد فكرة مرحب بها، بل ضرورة ملحة لإصلاح جذري في بنية الدولة، وبناء مستقبلٍ يحترم تعددية مكونات هذا البلد المعذب. غير أن اللامركزية ليست الحل النهائي للقضية الكوردية، بل خطوة أولى يجب أن تُتبع بإجراءات أكثر عمقًا وجوهرية. فترميم العملية السياسية وتجميل بعض وجوهها ليس سوى تأجيل للأزمة الحقيقية التي تتطلب مواجهة صريحة وجذرية.

اللامركزية، بمفهومها الديمقراطي الحقيقي، هي مبدأ دستوري ينهي هيمنة المركز ويمنح كل منطقة وحيدتها وصوتها في إدارة شؤونها. لكنها لا تقتصر على توزيع السلطات والمهام، بل تستلزم الاعتراف الرسمي والشامل بالقومية الكوردية، وبخصوصياتها الثقافية والاجتماعية والسياسية والدينية التي تُعد جزءًا لا يتجزأ من نسيج سوريا.

إن حق الشعب الكردي في تقرير مصيره ليس منةً أو هبة، بل حقٌ مكفول بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وهنا لا مجال للمساومة أو التهاون، فالشعب الذي عانى التهميش والقتل والتشريد، يستحق الاعتراف الكامل والإطار الدستوري الذي يحمي هويته ويضمن مشاركته الفاعلة في إدارة شؤون الوطن.

تجربة السنوات الماضية في شمال شرق سوريا، حيث فرضت قوات محلية ذات أغلبية كردية إدارة لامركزية في ظروف صعبة، أثبتت أن الفيدرالية الديمقراطية هي الحل القادر على استيعاب التنوع وتلبية تطلعات الشعوب المختلفة. هذا النموذج أعطى مساحة للعيش المشترك بين الكرد والعرب والسريان وغيرهم، وهو الدليل العملي على أن النظام المركزي الصارم هو عائق أمام السلام والاستقرار.

لذلك، يجب بناء سوريا الجديدة على أساس فيدرالي ديمقراطي يحترم هذا التنوع ويؤمن لكل مكون حقه في الحكم الذاتي، دون أن يُهدد وحدة الدولة أو يزج بها في صراعات لا تنتهي. فيدرالية تضع دستورًا واضحًا يوزع السلطات والموارد بعدالة، ويضمن لكل منطقة سيادتها المحلية، ويكرس مبادئ الديمقراطية الحقة.

بعد هذا البناء، يأتي تطبيق النظام اللامركزي الديمقراطي كآلية تنفيذية تُفعّل هذا الإطار، فتوزع السلطة بشكل حقيقي وفعال، وتنهي سيطرة المركز الذي هو مصدر كل احتقان وصراع. إنها ليست حلولًا ترقيعية، بل صك أمان سياسي واجتماعي يمنع عودة النزاعات ويؤسس لمرحلة جديدة من العدالة والحرية.

إن غياب هذه المبادئ سيظل يجعل كل حديث عن اللامركزية كلامًا فارغًا لا يغير شيئًا من الواقع، ويجعل الأزمة الكوردية وقضايا المكونات الأخرى جروحًا مفتوحة، تهدد وحدة البلاد واستقرارها.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف إذ كان يمكن لشرنقة الصمت أن تكون أكثر أمنًا، وانفتاحاً على تحقيق المكاسب، وإذا كان للتأني أن يترجم حكمة، وللموقف أن يُرجأ باسم الواقعية، فإنني اخترت أن أضع اسمي حيث يتقاطع الخطر مع الانحياز. إذ لم تكن المغامرة بحثًا عن بطولة، بل اضطرارًا داخليًا، غريزيًا، لأن أقول “أنا” حين يُمسّ الضعيف. وكلما صار القول مكلفًا، قلتَه أكثر، لاسيما…

خالد بهلوي يُعدّ اختيار الكفاءات من أبرز العوامل التي تُسهم في تقدّم المجتمع ونجاح مؤسساته، إذا تم الاختيار ضمن مناخ ديمقراطي يتيح انتخابات حرّة ونزيهة، تُفرز عندها قيادات مسؤولة أمام الشعب، وتخضع للمساءلة القانونية في حال ارتكابها أخطاء مالية أو إدارية، أو في حال إهمالها قضايا وهموم من انتخبوها. عندما يُنتخب المسؤول من قبل الشعب، يجب عليه أن يعمل…

عبد الجابر حبيب في الأيام الأخيرة، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو يُظهر عناصر من الجيش السوري يقومون بإهانة شيخ طاعن في السن، بحلق شاربه على الملأ، في صورة تجسّد انحطاطاً أخلاقياً صارخاً، وعنفاً رمزياً مؤلماً يتجاوز الفعل ذاته. هذا المشهد ليس مجرد انتهاك فردي، بل تمثيل فجّ لطريقة تفكير أمنية ترى في الكرامة الشخصية سلاحاً يجب كسره، وفي رموز…

إبراهيم اليوسف تأسيسًا على المسار الطويل لإفناء الهوية الدرزية، لا يبدو أن المسألة متعلقة بحادثة أو خلاف طارئ، بل ها نحن أمام صفحة جديدة من كتاب ممدود بالحقد، تُضاف إليه في كل عقد ورقة نار. حيث لم يكن التاريخ الدرزي سلسلة من الانعزال عبثًا، بل ثمرة جراح طاردت هذا المكوّن منذ القرن الحادي عشر، فألجأته إلى قلاع الجبل ومخازن الصمت،…