التريث قبل التوجه إلى دمشق

صالح بوزان ـ دادالي 

 

في ظل التطورات المتسارعة في المشهد السوري، ومع الحديث عن إرسال وفود إلى دمشق، سواء من قبل الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا أو من ممثلي الشعب الكردي، بات من الضروري التأكيد على أهمية التريث وعدم الاستعجال في اتخاذ مثل هذه الخطوة المصيرية.

منذ انطلاق الحراك السوري عام 2011، ومروراً بتشكيل الفصائل العسكرية، اتضح أن الغالبية الساحقة من تلك الفصائل باتت مرتبطة بأجندات إقليمية ودولية, دون أن تحمل أي حس وطني اتجاه البلد سوريا، سوى خدمة مصالح الجهات التي تدعمها ماديًا وعسكريًا. وقد تحوّلت العديد من هذه الفصائل إلى أدوات خارجية، تُستخدم في صراعات خارجية لا تخدم مستقبل سوريا، كما رأينا في إرسال بعض هذه الفصائل للقتال في ليبيا وأذربيجان وغيرها، بإيعاز تركي مباشر.

واليوم، وبعد سقوط نظام بشار الأسد في نهاية عام 2024، وسيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني ( أحمد الشرع ) على دمشق، باتت هذه الفصائل المرتبطة سابقًا بالخارج ، المنضوية اليوم في ما يسمى بوزارة الدفاع في السلطة الجديدة، وبعضها ما زالت تتلقى رواتبها من الدولة التركية. ومع مرور أكثر من خمسة أشهر على هذا التحول، تتصاعد المؤشرات الميدانية على تفكك أمني ومجتمعي ، وصراعات داخلية متزايدة بين الفصائل ذاتها، وجرائم وانتهاكات ممنهجة بحق المدنيين في أغلب المناطق التي تحت سيطرة سلطة الجولاني، لا سيما في المناطق الخارجة عن سيطرة قوى وطنية مستقلة.

كل ذلك يُنذر بحرب أهلية طويلة الأمد لا محالة، قد تُفضي في نهاية المطاف إلى فرض واقع تقسيمي على الجغرافيا السورية. 

لذا، فإن التسرع في الذهاب إلى دمشق تحت هذه الظروف، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويضعف من موقف المفاوض الكردي والإدارة الذاتية، خاصة في ظل غياب ضمانات داخلية أو دولية جدية.

إن أي حوار حول مستقبل سوريا، أو حول علاقة الإدارة الذاتية مع السلطة المركزية وتثبيت الحقوق القومية للشعب الكردي في دستور سوريا الجديدة يجب أن يتم في بيئة مستقرة نسبيًا، وتحت إشراف دولي، مع ضمان تمثيل كافة المكونات السورية، وليس في ظل سلطة أمر واقع لا تملك شرعية وطنية أو مشروعًا ديمقراطيًا جامعًا.

وعليه، فإننا نحث القيادات الكردية والقوى السياسية في شمال وشرق سوريا على دراسة الأوضاع بدقة، وتفادي القفز نحو مفاوضات غير متكافئة، إلى حين اتضاح ملامح المرحلة المقبلة، وتوفر بيئة سياسية وآمنة تتيح حوارًا مسؤولاً حول مستقبل سوريا وشراكة مكوناتها القومية والسياسية والمذهبية.

هولير ٢٨ / ٥ / ٢٠٢٥

 

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…