عدنان بدرالدين
على خلفية التطورات المتسارعة التي تشهدها سوريا مؤخرًا، برز إعلان مجموعة “تايغر” العقارية عن نيتها بناء ناطحة سحاب باسم “برج ترامب” في قلب العاصمة دمشق، بتكلفة تقديرية تقارب 200 مليون دولار. مشروع لم يكن ليُؤخذ على محمل الجد لولا ارتباطه باسم دونالد ترامب، الرئيس الأميركي الحالي، ولولا تزامنه مع إعلان رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بقرار شخصي منه، عقب لقائه أحمد الشرع في الرياض، بوساطة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
بحسب تصريحات رئيس المجموعة، المهندس وليد الزعبي، فإن البرج سيحمل اسم ترامب محفورًا “بالذهب”، كرمز للسلام وبوابة لإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي. لكن خلف هذه العبارات المنمقة، يتبدّى مشهد آخر: مشهد التودد السياسي الفج، والاستثمار في نرجسية رئيس شعبوي لم يُخفِ إعجابه العلني بزعماء استبداديين من طراز بوتين وأردوغان، بل حاول التشبّه بهم مرارًا، سواء في السلوك أو الخطاب أو حتى في الاحتفاء بالثراء الفاحش كرمز للهيبة.
وبعيدًا عن الادّعاءات التي تُقدّم هذا المشروع كجسر للانفتاح على الغرب، فإن جوهره لا يعكس أي تقارب مع قيم الديمقراطية أو القيم الإنسانية الشاملة. بل يبدو أقرب إلى محاولة لانتزاع شرعية دولية لنظام أحمد الشرع، عبر “صفقة شخصية” مع ترامب. إن ما يُراد تسويقه من خلال هذا البرج ليس مشروعًا حضاريًا، بل ترويج سياسي لنظام يحاول إعادة إنتاج الاستبداد السوري – هذه المرة بلباس ديني ناعم – تحت مظلة أميركية لا تعترض طالما مصالحها محفوظة.
السؤال الذي لا بد من طرحه بقوة هو:
ما الذي ستجنيه سوريا من بناء برج فخم وسط مدينة لا تزال تئن تحت ركام الحرب وخراب المرافق العامة؟
هل إعادة الإعمار تبدأ من الأبراج الذهبية؟
أم من المدارس المهدّمة والمشافي شبه المعطلة ومخيمات النزوح التي تحوّلت إلى مدن بؤس؟
من الواضح أن المشروع لا يستهدف المواطن السوري بقدر ما يخاطب “مزاج ترامب”، ويقدّم له ما يعشقه: وهج الأضواء، مجد الاسم، وغرور الصورة. إنه نوع من “الصفقة الرمزية” التي تفترض – بسذاجة أو عن خبث – أن طريق واشنطن يمر عبر محفظة ترامب، لا عبر المؤسسات.
في هذا السياق، يمكن النظر إلى البرج كأداة دعائية أكثر منه مشروعًا تنمويًا، وكنصب تذكاري للتملق الفج، حين تصبح السياسة ضربًا من فنّ المديح، ويُختزل مستقبل بلد بكامله في حروف ذهبية على واجهة برج.
هذا ليس استثمارًا في إعادة الإعمار، بل في ترسيخ الولاء ضمن نظام عالمي جديد، يتخلى عن المبادئ لحساب الشخصنة، وعن الشعوب لصالح الزعامات، وعن العدالة مقابل البهرجة.
دمشق “الجديدة” لا تكتفي ببناء برج يحمل اسم ترامب، بل تشارك، عن وعي أو دون وعي، في رسم صورة عالم غائم الملامح، حيث تُباع السيادة بثمن بخس، ويُشترى التأييد السياسي بالمال.
26 أيار 2025