عفرين على خطى التأهل لمحافظة

شيرزاد هواري

تعيش منطقة عفرين في شمال غرب سوريا تحولات إدارية وأمنية بارزة، أثارت معها نقاشات مطولة حول إمكانية تحويلها إلى محافظة مستقلة ضمن التقسيمات الإدارية السورية. هذه المطالب تأتي استنادًا إلى معايير وأسس دولية وإدارية تتعلق بعدد السكان، الأهمية الاقتصادية، المساحة الجغرافية، والحاجة الإدارية، إضافةً إلى التطورات السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة وسوريا 

معايير تحويل منطقة إلى محافظة

عادة ما يعتمد تحويل منطقة أو مدينة إلى محافظة على مجموعة من المعايير الأساسية، والتي تتفق عليها التجارب الإدارية الدولية:

  • عدد السكان: ضرورة وجود كثافة سكانية كافية لتبرير إدارة مستقلة.
  • الأهمية الاقتصادية: وجود نشاط اقتصادي يدعم البنية التحتية والخدمات.
  • المساحة الجغرافية: وجود مساحة جغرافية كبيرة تتطلب إدارة محلية خاصة.
  • الاحتياجات الإدارية: اختلافات اجتماعية أو جغرافية تستوجب إدارة منفصلة.
  • الدعم السياسي: موافقة الجهات الحكومية والتشريعية على التعديل الإداري.

ورغم عدم وجود مؤشر دولي موحد لتحويل التقسيمات الإدارية، فإن هذه المعايير تمثل مبررات رئيسة في أغلب دول العالم.

المؤشرات التي تدعم تحويل عفرين إلى محافظة

منطقة عفرين تتوفر فيها العديد من المؤشرات التي تؤهلها للتحول إلى محافظة، نذكر منها:

  • الكثافة السكانية: كانت عفرين تستضيف أعدادًا كبيرة من السكان قبل النزاع، وارتفع هذا العدد بفعل موجات النزوح الداخلي وتزايد النزوح بعد 2018ويتغير الكثافة وفقاً لعودة الأمان النسبي بسوريا بعد سقوط نظام الأسد 
  • النشاط الاقتصادي: تشير التقارير إلى تسجيل أكثر من 2800 سجل تجاري وصناعي خلال فترة الإدارة الذاتية، ما يعكس حيوية اقتصادية ملحوظة
  • بالإضافة لكثرة معامل البئرين ومصانع صناعة الصابون ومعاصر الزيتون الحديثة ورغبة الأهالي في تنمية المنطقة وزيادة فرص الإستثمار في المنطقة وخصوصاً بعد توفر معبر الحمام الحدودي وإمكانية التصدير والإستيراد وقربها من طريق حلب غازي عنتاب الدولي 
  • الأهمية الأمنية والإدارية: شهدت المنطقة خطوات متقدمة نحو تسوية الأوضاع الأمنية والإدارية، من خلال تدخل قوات الأمن العام وتسليم الإدارة المدنية لأهالي المنطقة.والمطالبة بتحسين الوضع الأمني رغم مقبوليته بالمقارنة مع سائر المناطق السورية 

التطورات الأمنية والإدارية الحديثة

في فبراير 2025، دخلت قوات إدارة الأمن العام إلى عفرين بهدف إنهاء مظاهر التسلح وتسوية الوضع الأمني والإداري، في خطوة تعكس توجهًا نحو استعادة النظام وتوحيد الإدارة المدنية في المدينة. وترافق ذلك مع اتفاق وتفاهم سياسي بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية بسوريا والرغبة بعودة أهالي عفرين إلى ديارهم  وتسليم ملف الإدارة المدنية لأهالي عفرين مستقبلاً، بينما تتولى قوات الأمن العام ضبط الأمن، مع ضمان غياب الفصائل المسلحة عن الأحياء المدنية وحياة المدنيين 

الجهات المعنية باتخاذ القرار

تحويل عفرين إلى محافظة ليس قرارًا إداريًا سهلاً، بل يحتاج إلى:

  • موافقة مجلس الشعب السوري، الجهة التشريعية المسؤولة عن إقرار القوانين المتعلقة بالتقسيمات الإدارية.
  • موافقة رئاسة الجمهورية، التي تمنح التصديق والتنفيذ لهذه القرارات.
  • دراسة وزارة الإدارة المحلية والبيئة، التي تقوم بتقييم الجدوى وتقديم التوصيات بناءً على معطيات ميدانية.

هل هناك نية حقيقية لتحويل عفرين إلى محافظة؟

حتى الآن، لم تصدر تصريحات رسمية واضحة تعبر عن نية حكومية جادة لتحويل عفرين إلى محافظة. ورغم وجود مطالب محلية متزايدة ودعوات من بعض الأطراف السياسية، يظل القرار النهائي رهينًا بظروف سياسية وأمنية معقدة، إضافة إلى ضرورة توافق الأطراف المعنية.

مخاوف الإهمال والإحجام

تتواجد مخاوف حقيقية بين سكان عفرين من الإهمال أو تجاهل مطالبهم الإدارية، خصوصًا في ظل التعقيدات السياسية والصراعات التي تمر بها سوريا. هذا الإحساس بالإحجام قد يؤدي إلى تفاقم الشعور بعدم التمثيل الكافي، مما يستدعي تحركات سياسية واجتماعية أكبر لإيصال الصوت والمطالبة بحقوق المنطقة.بالإضافة للإهمال السلطات السورية في حقبة الأسدين وحرمانها من الاهتمام اللازم وعدم إعطاء التراخيص لمعامل ومصانع فيها بحجة المنطقة الحدودية والمراسيم الخاصة بهذا الخصوص ويتأمل أهل عفرين من السلطات الحالية التعاطي الإيجابي مع مطاليب أهلها والتي أكدتها اللقاءات الأخيرة أثناء زيارة الرئيس أحمد الشرع لعفرين والوفد الزائر أخيراً للإطلاع عن قرب على واقعها 

ماذا ينبغي أن تقوم به مجالس عفرين المحلية والجهات السياسية لتحقيق الهدف؟

لتحقيق هدف تحويل عفرين إلى محافظة، ينبغي لمجالس عفرين المحلية والجهات السياسية وحركاتها أن تقوم بمايلي 

  • تنظيم صوت موحد وموثق: توحيد مواقف ومطالب أبناء المنطقة في وثائق واضحة ومدعمة بالمعلومات الإحصائية والاقتصادية، وإيصالها بشكل مباشر إلى الجهات الحكومية المعنية.
  • التواصل المستمر مع الحكومة المركزية: فتح قنوات حوار مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة ومجلس الشعب مستقبلاً، لتقديم ملف متكامل يوضح جدوى التحويل وأهميته.
  • تعزيز المشاركة الشعبية: تحفيز مشاركة المجتمع المدني وأهل المنطقة في حملات توعية ودعم الهدف، مما يعزز الضغط الشعبي والسياسي.
  • بناء تحالفات سياسية: التنسيق مع القوى السياسية الوطنية والإقليمية التي تدعم مطالب المنطقة، لضمان دعم أوسع على المستوى السياسي.
  • العمل الإعلامي والتوثيقي: استخدام وسائل الإعلام المحلية والدولية لعرض واقع عفرين واحتياجاتها، بهدف جذب الانتباه والدعم.
  • تأمين استقرار أمني وإداري: دعم الخطوات الرامية لتسوية الأوضاع الأمنية والإدارية، حيث أن الاستقرار هو عامل أساسي في إقناع الجهات الرسمية.

خلاصة

عفرين تسير بخطى ثابتة نحو تأهيلها لتصبح محافظة، مستندة إلى مؤشرات واقعية وواقعة على الأرض من حيث السكان والنشاط الاقتصادي والأمن. ولكن الطريق لتحويل هذه المنطقة إلى محافظة رسمية لا يزال يحتاج إلى إرادة سياسية قوية وتوافق بين الجهات المختصة، إلى جانب تفهم دقيق لأبعاد هذا القرار وآثاره على المشهد السوري.

ولكي يتحقق هذا الهدف، لابد أن تلعب مجالس عفرين المحلية والجهات السياسية دورًا فاعلًا ومنسقًا، عبر خطوات استراتيجية تجمع بين توحيد المطالب، التواصل السياسي، تعزيز المشاركة الشعبية، وبناء التحالفات، مع ضمان الاستقرار الأمني والإداري.

تبقى المطالب حية، والأمل معلقًا على خطوات عملية تتجاوز الإعلانات والتصريحات لتصبح واقعًا ملموسًا لأهل عفرين 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف إذ كان يمكن لشرنقة الصمت أن تكون أكثر أمنًا، وانفتاحاً على تحقيق المكاسب، وإذا كان للتأني أن يترجم حكمة، وللموقف أن يُرجأ باسم الواقعية، فإنني اخترت أن أضع اسمي حيث يتقاطع الخطر مع الانحياز. إذ لم تكن المغامرة بحثًا عن بطولة، بل اضطرارًا داخليًا، غريزيًا، لأن أقول “أنا” حين يُمسّ الضعيف. وكلما صار القول مكلفًا، قلتَه أكثر، لاسيما…

خالد بهلوي يُعدّ اختيار الكفاءات من أبرز العوامل التي تُسهم في تقدّم المجتمع ونجاح مؤسساته، إذا تم الاختيار ضمن مناخ ديمقراطي يتيح انتخابات حرّة ونزيهة، تُفرز عندها قيادات مسؤولة أمام الشعب، وتخضع للمساءلة القانونية في حال ارتكابها أخطاء مالية أو إدارية، أو في حال إهمالها قضايا وهموم من انتخبوها. عندما يُنتخب المسؤول من قبل الشعب، يجب عليه أن يعمل…

عبد الجابر حبيب في الأيام الأخيرة، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بمقطع فيديو يُظهر عناصر من الجيش السوري يقومون بإهانة شيخ طاعن في السن، بحلق شاربه على الملأ، في صورة تجسّد انحطاطاً أخلاقياً صارخاً، وعنفاً رمزياً مؤلماً يتجاوز الفعل ذاته. هذا المشهد ليس مجرد انتهاك فردي، بل تمثيل فجّ لطريقة تفكير أمنية ترى في الكرامة الشخصية سلاحاً يجب كسره، وفي رموز…

إبراهيم اليوسف تأسيسًا على المسار الطويل لإفناء الهوية الدرزية، لا يبدو أن المسألة متعلقة بحادثة أو خلاف طارئ، بل ها نحن أمام صفحة جديدة من كتاب ممدود بالحقد، تُضاف إليه في كل عقد ورقة نار. حيث لم يكن التاريخ الدرزي سلسلة من الانعزال عبثًا، بل ثمرة جراح طاردت هذا المكوّن منذ القرن الحادي عشر، فألجأته إلى قلاع الجبل ومخازن الصمت،…